الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا امرأة عمري 42 سنة، متزوجة منذ 12 سنة، ولي طفلة في الحادية عشرة، وطفل عمره ثماني سنوات، وطفل عمره سنة، ولست سعيدة مع زوجي، فهو كثير المشاكل، لا يكف عنها، والعائلة كلها تعرف ذلك، ولم أعد أتحمل المزيد، وكلما نتشاجر يقطع كلامي، وفراشي، وفي أول مرة استمر ثلاثة شهور، وتدخّلت أمي، وحلّت لنا المشكلة ؛ وفي المرة الثانية أربعة أشهر؛ حتى ذهبت عند أبويه، وطرحت المشكلة، ورجع -كالعادة- يطلب السماح، ويبكي؛ وفي المرة الثالثة -حتى يومنا هذا- هجرني شهرًا ونصفًا، وكل مرة أطلب منه الطلاق، ولا يريد، وعندما أسأله: ماذا يفعل، يقول: إنه يختال نفسه، أي أنه يعمل العادة السرية، ولا أدري ماذا أفعل، أريد منكم أن تساعدوني. وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فإن استقرار الحياة الزوجية، واستمرارها، غاية من الغايات، التي يحرص عليها الإسلام، ويحث عليها؛ لذا، فعلى كل من الزوجين أن يحافظ على ما يضمن استمرار الحياة الزوجية، ويقوّي أواصرها، وأن يفي لصاحبه بجميع الحقوق الواجبة له، هذا هو ما يحث عليه الشرع، ويرغب فيه.

وبناء على ما تقدم؛ نقول، ونوجه الكلام هنا إلى الزوجة؛ لأنها هي السائلة، وهي التي طلبت المساعدة، وللزوج كلام آخر، سيتم الإحالة عليه، فنقول:

أولًا: عليك أن تعلمي حق زوجك عليك، فإن كثيرًا من المشاكل تحدث بسبب جهل بعض الزوجات بما أوجبه الله عليهنّ تجاه أزواجهنّ، وتحل كثير من المشاكل بقيام الزوجة بهذا الحق، فطاعة الزوج واجبة على الزوجة، ما لم تكن في معصية الله تعالى، بل إن طاعته مقدمة على طاعة كل أحد، حتى الوالدين، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، أي الناس أعظم حقًّا على المرأة؟ قال: "زوجها"، قلت: فأي الناس أعظم حقًّا على الرجل؟ قال: "أمه". رواه البزار، والحاكم بإسناد حسن. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.

ثانيًا: اعلمي أن أداء الزوجة لحق زوجها، إضافة إلى ما ينتج عنه من سعادة في حياتها الزوجية، فإنها تنال به الأجر، والثواب الجزيل، فقد جعل الله سبحانه طاعتها لزوجها، والقيام بحقوقه، تعدل الجهاد في سبيل الله، والشهادة في سبيله، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاءت امرأة (وهي أسماء بنت يزيد الأنصارية) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أنا وافدة النساء إليك، هذا الجهاد كتبه الله على الرجال، فإن يصيبوا، أجروا، وإن قتلوا، كانوا أحياء عند ربهم يرزقون. ونحن معشر النساء نقوم عليهم، فما لنا من ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبلغي من لقيت من النساء أن طاعة الزوج، واعترافًا بحقه، يعدل ذلك كله، وقليل منكنّ من يفعله. رواه البزار، والطبراني.

وجعل سبحانه رضا زوجها عنها سببًا في دخولها الجنة، فقد روى الترمذي، وابن ماجه، والحاكم عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض، دخلت الجنة.

ثالثا: عند غضب الزوج، لا تقابليه بغضب مثله، فإن ذلك مما يزيد الأمر سوءًا، ويفتح للشيطان بابًا بينكما، بل الذي ننصحك به التزام الصمت عند غضبه، وعدم مقابلته، والرد عليه، فإنه سرعان ما يهدأ، وقد ذكرت أنه يأتي -كعادته- يطلب السماح، ويبكي، وعندها يمكن لك نصحه، والتفاهم، والتناقش معه، في جو هادئ، تسوده المودة، والاحترام.

وتدبري قول أبي الدرداء -رضي الله عنه- لأم الدرداء: إذا غضبت فرضني، وإذا غضبت رضيتك، فمتى ما لم يكن هكذا، ما أسرع ما نفترق. رواه ابن عساكر في "تاريخه"، وقول أسماء بن خارجة الفزاري لابنته لما أهداها لزوجها: يا بنية، كوني لزوجك أمة، يكن لك عبدًا، ولا تدني منه، فيملّك، ولا تباعدي عنه، فتثقلي عليه، وكوني كما قلت لأمّك:

خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب.

فإني رأيت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب.

رابعًا: حاولي إزالة أسباب الشجار، والنزاع، وكل ما يؤدي إليهما، فما رأيت أنه يغضب زوجك، ويسبب المشاكل بينكما، فحاولي تجنبه، وإبعاده.

خامسًا: اهتمي بنفسك، وبزينتك، واظهري أمامه دائمًا بالهيئة الجميلة، وتفرغي له، وأعطيه من وقتك، فربما كان سبب هجره لك بسبب انشغالك عنه، أو ترك التزين له.

سادسًا: لا ننصحك بطلب الطلاق منه؛ ذلك أن الطلاق بغيض، وإنما يلجأ إليه عند استحالة الحياة الزوجية، وانعدام إمكانية الاستمرار فيها، أما ما دام أن الأمل لا يزال موجودًا في إصلاح الأمور، فنصيحتنا لك بعدم التفكير في الطلاق، خاصة وأنك عشت معه هذه الفترة الطويلة، ورزقك الله منه ما ذكرت من الأولاد.

وأما ممارسته للعادة السرية، فهذا شيء مؤسف أن يصل الحال برجل متزوج لهذا الأمر، وانظري حكمها في الفتوى: 7170.

وعلى كل؛ فالذي ننصحك به هو الصبر عليه، وحسن التبعّل له، مع الالتجاء إلى الله تعالى، والتضرع إليه بأن يصلح أمركما.

ونقول أيضًا لهذا الزوج: إن عليه أن يتقي الله تعالى في هذه المرأة، فيتمثل أمر الله فيها، وليحفظ لها وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وليعلم أن خير الرجال من كان خيرًا لأهله، وأن لهذه المرأة من الحقوق عليه ما له عليها، كما قال الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة: 228}. ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتوى: 3698، والفتوى: 5381.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني