الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الهوية من مقومات التميز والبقاء للأفراد والأمم

السؤال

/هل يحتاج الإنسان إلى هوية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا بد للإنسان من هوية تميزه عن غيره، وبها يعرف عقيدة وفكرا وثقافة ومنهجا في الحياة، كأن يقول مثلا أنا مسلم، أو يزيد: منهجي الإسلام، أو يزيد الأمر دقة فيقول: أنا مؤمن ملتزم بالإسلام، من أهل السنة والجماعة.

وكما ينبغي أن يكون للفرد هوية تميزه عن غيره ويعرف بها، كذلك ينبغي أن يكون للمجتمع والأمة هوية مستقلة تتميز بها عن غيرها، وإلا تشابهت الأمم كالأسماك في الماء.

هذا، وكلما توافقت هوية الفرد مع هوية المجتمع تعمق إحساسه بالانتماء لهذا المجتمع واعتزازه به وانتصاره له، أما إذا تصادمتا فهنا تكون أزمة (الاغتراب) قال صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء. رواه مسلم. وفي بعض الروايات: أناس قليل في أناس سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم رواه أحمد وصححه الألباني.

ونظرا لأن للهوية علاقة أساسية بمعتقدات الفرد ومسلّماته الفكرية، فإنها هي الموجه لاختياره عند تعدد البدائل، وهي التي تجعل سلوكه ذا معنى وغاية، كما أنها تؤثر تأثيرا بليغا في تحديد سمات شخصيته وإضفاء صفة الثبات والاستمرار على هذه الشخصية، فلا يكون إمّعة ولا منافقا، ولا ذا وجهين.

وبالنسبة للمجتمع فإن الهوية هي التي تربط بين أفراده والتي إذا فقدت تشتت المجتمع وتنازعته التناقضات.

هذا، وإن أهم مقومات وأركان الهوية هي العقيدة وهويتنا الإسلامية تنبثق عن عقيدة صحيحة وأصول ثابتة تجمع تحت لوائها جميع المنتمين إليها فيحيون لهدف واحد هو إعلاء كلمة الله، وتعبيد العباد لربهم وتحريرهم من عبودية غيره.

وفي القرآن مدح وتعظيم لهذه الهوية، قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ {فصلت: 33}.

ولقد رسم القرآن مفهوم الهوية عند المسلمين، فجعل العقيدة هي معيار الولاء والبراء والحب والبغض، وهي المنظار الذي يرى المؤمن من خلاله القيم والأفكار والمبادئ ويحكم على الأشخاص وينزلهم منازلهم.وما أحسن ما قاله صاحب "الظلال" رحمه الله تعالى: عقيدة المؤمن هي وطنه، وهي قومه،وهي أهله.. ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها، لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج.

والمؤمن ذو نسب عريق، ضارب في شعاب الزمان، إنه واحد من ذلك الموكب الكريم الذي يقود خطا ذلك الرهط الكريم نوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، ويوسف، وموسى، وعيسى، ومحمد عليهم الصلاة والسلام. وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى احتفاظ هذه الأمة بهويتها وخصائصها ويحذرمن التشبه بالمشركين فقال: "من تشبه بقوم فهو منهم" وذلك لتبقى أمة المسلمين نسيجا وحدها، حتى إن اليهود قالوا: "ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه". رواه مسلم.

ومن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قام سلفنا الصالح فمن بعدهم بجهود رائعة في الحفاظ على هوية الأمة وحراستها، فكانوا فرسانا في الدفاع عنها: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ. ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ومن أراد أن يفهم قضية الهوية حق الفهم فليدرس كتابه الفذ "اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم" ومنهم أديب الإسلام مصطفى صادق الرافعي، والدكتور محمد محمد حسين، والعلامة الأديب محمود محمد شاكر، وغيرهم، كثير في الأمة، هذا، ونحيلك على كتاب "هويتنا أو الهاوية" للشيخ محمد إسماعيل، ففيه تفصيلات كثيرة في موضوع الهوية، وكذلك فإن له محاضرة بعنوان "الهوية الإسلامية" فإنها نافعة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني