الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الهبة وبر الوالدين

السؤال

إنني وإذ أهنئكم بحلول شهر رمضان الكريم وأشكر لكم فتح أبوابكم لكل حائر يحذرالوقوع في حدود الله و يجعل من شرع الله بوصلة لتوجيه أفعاله.
و عليه فإنني أرجو التكرم بالرد المكتوب السريع و المعتمد رسميا على العنوان المذكور هنا من مكتبكم في الأمر الآتي:
أنا أكبر سبعة من إخوتي، أربعة من الصبيان وثلاثة من البنات. بعد انتهاء دراستي الجامعية في مصر سافرت إلى إحدى الدول الأوروبية حيث بدأت العمل هناك على نحو استطعت أن أوقف أبي عن العمل بالأجرة اليومية وأوفر له ولأمي و باقي إخوتي رغد العيش والمسكن الحديث حتى أصبح من الممكن أن يواصل جميع إخوتي وأخواتي و يتمون تعليمهم الجامعي وحينما شرعت ابنتان وابنان من أبناء أبي وأمي في الزواج تحملت نفقات الزواج بالرغم من أنهم يعملون بمؤهلهم الجامعي في وظائف محلية بمصر، واستمرت مسيرة الأيام هكذا حتى قامت والدتي و أبي برحلة عمرة في رمضان 2002 على نفقتي، وهو ما فعلته دائما عن طيب خاطر.
و حيث إنني كنت أقوم بتحويل كل كسبي في الخارج إلى والدي فكان يتبقى بعض المال بعد تغطية جميع نفقات الأسرة فكان والدي الذي يجيد حرفة الزراعة يشترى بما تبقى من مالي أرضا زراعية، وكنت لا أسال عما إذا كانت ملكية هذه الأرض قد تم تسجيلها باسمي أم لا باعتبار أن ذلك أمر مفهوم بذاته.
وفي رمضان 2003 انتقلت أمي فجأة إلى رحمة الله في أعقاب عملية جراحية فكانت صدمتي أنا و إخوتي شديدة ولا نكاد نصدق حتى الآن أن ذلك حدث، و لكن أبى لم يكد يمر أسبوعان على وفاة من تزوجها أربعين عاما ونحن نعيش عمق الصدمة حتى طرح موضوع زواجه، فكانت صدمتنا أشد و شعرنا أننا أمام شخص لم نكن نعرفه من قبل لا عهد له ولا وعد، مع أن إحدى أخواتي البنات لا زالت معه بالبيت. ولما كان الحال كذلك و لما كان الشرع المر لا يحظر أن يتزوج رجل مثله قد تجاوز سقف الخمس و الستين عاما فقد طالبت والدي بإيضاح مسبق لأملاكي قبل زواجه بأخرى ، حيث إن هذا المال من تعبي أنا وهو جزء مما تبقى لي من أسرتنا الأولى وأنا اليوم متزوج ولى من البنين اثنان. و قد تعهدت له في خطاب في الوقت نفسه بأنني متكفل بطعامه وشرابه و مسكنه وعلاجه ومستوى معيشي فوق المتوسط في مقابل أن يعيد إلي أملاكي التي كتبها رسميا باسمه على حين غفلة منى.
و الآن تزوج أبى بأخرى لا نعلم عنها شيئا و لا زالت أملاكي باسمه وهو يريد أن يورث جزءا منها لزوجته الجديدة و يوزع جزءا منها على إخوتي الستة و لا يترك لي سوى شطرا بسيطا منها لا يجوز لي التصرف فيه إلا بإذنه. أما أنا فإنني أرى أن جميع أملاكي هي ثمرة عمل يدي أحد عشر عاما وثمرة حرقة أمّي على غربتي و أنها من حقي جميعا و أنّ التنازل عن جزء منها لإخوتي هو أمر يخصني أنا وحدي و لا يخصه هو. و أنا لست مدينا له سوى بضمان معيشته عيشة رغدة فقط ، لا لشيء سوى لأمر الشرع.
أرجو أن تفتوني في أمري.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

جزاك الله خيرا على ما قدمت لوالديك ولإخوانك وأسرتك، وهذا واجبك شرعا وطبعا، ونسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناتك.

وإذا كان المال الذي كنت ترسله لوالدك كنت ترسله له على سبيل الهبة له ودون أن تطلب منه أن يدخر لك منه رصيدا، فإن المال يعتبر ملكا له مادام قد وهب له وحازه حيازة تامة.

أما إذا كان ذلك للمساعدة في النفقات وما بقي منه عنها يبقى ملكا لك، سواء كان ذلك بالتصريح أو معلوما من العادة وقرائن الحال، فإن ما بقي من المال بعد النفقة يعتبر ملكا لك، وعلى والدك أن يتقي الله تعالى ويرد الحقوق إلى أهلها.

كما ننبهك إلى أن حق الوالدين عظيم، وعلى الأولاد أن يحافظوا على برهما وحسن معاملتهما، ومن بر والدكم وحسن معاملته مساعدته، وخاصة على بناء أسرته الجديدة، فهذا أمر طبيعي وشرعي لا ينبغي أن يكون سببا في الخلاف بينكم وبينه.

كما ننبهك إلى أن على المسلم أن يعظم شعائر الله تعالى، وإن وصف الشرع بالمر وصف لا ينبغي أن يصدر من مسلم رضي بحكم الله تعالى، فالشرع إنما جاء لجلب المصلحة للعباد وتكميلها ودرء المفسدة عنهم وتقليلها، ولعل ذلك كان سبق قلم ينبغي التنبه له.

كما ننصحك بمعالجة الخلاف بينك وبين والدك بطريقة محترمة معتبرا بقول الله تعالى: وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {البقرة: 237}.

وبإمكانك أن تستعين على ذلك ببعض الإخوان والأصدقاء الذين لهم تأثير على والدك لحل المشكلة بطريقة ودية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني