الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعمال ومعتقدات تنافي ما عليه أهل السنة والجماعة

السؤال

سؤالي عن كيفية التعامل مع صديق أعزه وأقدره أكثر من الباقين، وأرى فيه خيرًا كثيرًا، لكن ومع حفظه لكتاب الله، فأخلاقه ليست أخلاق القرآن، ومع حضوره المحاضرات، ومحافظته على الصلوات، فهو أمي في اللغة العربية، بالكاد يستطيع فهم جملة بسيطة، فكلمات مثل: اشتكى، وأوقد، وقابس لا تعني عنده شيئًا، وبهذا فكتاب الله الذي يحفظه لا يفهم منه شيئًا من باب أولى، والمحاضرات التي يحضرها لا يفهم كثيرها فضلًا عن تطبيق ما قيل فيها.
والطامة هي أنه مع قلة علماء السنة، وحسن نيته، فعندهم بالمنطقة التي يقطن فيها عالم يدعي انتماءه للسنة، لكن أفعاله وفتاويه تدل على عكس ذلك، فهو غال في دين الله، يشدد في أمور، ويتهاون في أخرى، ومتعصب لمذهبه، وهذا التعصب يبدو جليًا في ذلك الصديق.
من مؤلفات هذا العالم رسالة سماها: "إتمام المسافر خلف المقيم ضلال"، ومن يتبع الأئمة الكبار في فتاويهم يرميه بالضلال ومخالفة السنة والتقليد، ومن يلبس الكرفتة، أو ملابس الكفار التي شاع استعمالها بين المسلمين، فهو متشبه بهم، أي منهم، وعليه، يكون كل المغاربة كفارًا، ومن يخر للسجود على ركبتيه فهو ضال لا يعلم السنة، وجاهل، بل قال إن بعض العلماء قالوا إن الصلاة باطلة، وهكذا كل فتاويه وأقواله.
وبالمقابل فهو يحتفل بالمولد، ويحلل المعازف، ويقول إن عليًا أفضل من أبي بكر وعمر، فلا أدري هل هو فعلًا من علماء السنة.
وهذا يبدو في تصرفات الصديق، فأنا أعلم أن نيته صادقة، لكن تعصبه واضح، فإن أبديت له الدليل قال لا أقبل منك، وإذا قلت أجمع العلماء قال: لا، الأحاديث تقول: كذا وكذا، وهو كما قلت لكم أمي لا يبدي ولا يعيد. وكلام الإمام النووي مثلا أو الشيخ ابن عثيمين لا يساوي عنده جناح بعوضة، وكثيرًا ما تحدث مشاحنات، وآخرها -وقد أكون أنا المخطئ هذه المرة- أنهم يصلون صلاة المغرب نصف ساعة بعد الأذان في رمضان بحجة أن الرسول كان يفطر إفطارًا كاملًا ثم يصلي، والفرق بين المغرب والعشاء لا يجاوز الساعة والربع، فقلت له: إن السنة في تعجيل الإفطار والصلاة، ويكفي الإفطار على تمر وحليب، ثم الصلاة، وقلت: إن الأمة كلها تفعل ذلك، سوى مسجدهم، لكن كأنك تكلم حائطًا.
والأكبر من ذلك، فالدين عنده منحصر في الصلاة والصيام فقط، لا تجده يحث الناس (أي العالم) على العلم ولا النوافل ولا تجدهم يذكرون الأذكار الواردة عن رسول الله...
فما هي نصيحتكم لي أولًا، ثم لذلك الصديق ثانيًا؟
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أعطيناك في فتوى سابقة المعيار الذي تعرف به مدى قرب أو بعد الشخص عن منهج السلف، وأخبرناك بالتصرف الأمثل مع صديقك هذا.

أما شيخه، فالظاهر أنه مبتدع، وليس من أهل السنة والجماعة، إذا كان كما ذكرت، وليس أدل على ذلك من تفضيله لعلي بن أبي طالب على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم أجمعين، فإن علماء السنة يجمعون على تقديم أبي بكر وعمر على باقي الصحابة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا نعدل بأبي بكر أحداً، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نفاضل بينهم. رواه البخاري، ثم إن جعله إتمام المسافر خلف المقيم ضلالاً خطأ كبير، وانظر الفتويين: 8021، 7365.

وكذلك، فإن لبس ربطة العنق لم يعد من خصائص الكفار، فلا يحكم على كل من لبسها أنه متشبه بهم، وانظر الفتوى: 579.

وانظر حكم استماع المعازف في الفتويين التاليتين: 7248، 987، وانظر حكم الاحتفال بالمولد في الفتوى: 1563.

وأما يذكره من كون النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم كان يفطر إفطارًا كاملاً قبل أن يصلي المغرب، فلا نعلمه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد عنه أنه كان يأمر بتعجيل الفطور، ومن ذلك قوله: عجلوا الإفطار وأخروا السحور. رواه الطبراني.

وكان صلى الله عليه وسلم يفطر على رطب أو تمر أو ماء، فقد روى الترمذي وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات، فإن لم تكن رطبات فتميرات، فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء.

هذا، وإن تضليل هذا الشيخ لمن يخالف من العلماء دليل على تعصبه وجهله، وانظر الفتوى: 4402.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني