الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قسمة رأس مال المضاربة قبل تحوله من أعيان إلى نقود

السؤال

أعطيت لأحد التجار مبلغاً من المال لتشغيلها لي على أن نتقاسم الربح أو الخسارة، وقمنا بالفعل بالدخول في صفقة أرز قام بشرائها على مسؤوليته بالكامل وقال إن بيعها سوف يكون خلال أسبوع، وبعد أسبوعين جاء إلى منزلي وقال لي إنه لم يتم البيع وإنه سوف يحاسبني كأنه قد باع وبالفعل قال لي لك في ذمتي مبلغ كذا (رأس المال مضافاً إليه الأرباح) وأخذت عليه شيكاً بالمبلغ وأنه سوف يسدده لي خلال أسبوعين ومرت سنة كاملة وهو يرسل لي كل شهر جزءا من فلوسي بسيطا أقوم بصرفه دون استثمار ويقول لي إن البضاعة التي اشتريناها لم تبع وأنه سوف يسدد لي رأس المال فقط، وهكذا خسرت المبلغ وأخذته على دفعات متباعدة وبسيطة بحيث لا يمكن استثمارها، فهل لي أن آخذ منه تعويضاً عن وجود فلوسي معه لمدة عام وآخذها على دفعات لا يمكن استثمارها أم آخذ رأس المال فقط، علماً بأن ما أعطاني من دفعات قد صرفت على المنزل لأنها دفعات صغيرة لا يمكن استثمارها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا دفع شخص لآخر مالاً ليتاجر به على أن يكون الربح بينهما، فإن هذا يُسمى في اصطلاح الفقهاء مضاربة، أما التزام التاجر بضمان الصفقة المذكورة بعد تمام عقد المضاربة فالتزام باطل، لأن المضارب لا يضمن رأس المال ولا شيئاً منه، كما أن تحديد إنهاء المضاربة بزمن معين لا يصح على الراجح، لأن المضاربة عقد جائز فلم يتوقت بمدة من الزمان كالشركة، وهذا مذهب المالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 51152.

وبناء على هذا تبقى المضاربة صحيحة ويبطل ما اشترط فيها من شروط فاسدة، وما حصل بينكما من اتفاق بعد ذلك على قسمة رأس مال المضاربة قبل نضوضه-أي تحوله من أعيان إلى نقود- صحيح سواء كانت قسمة عين أو قيمة بشرط أن يكون المعتبر قيمة رأس المال وقت القسمة دون زيادة أو نقصان، قال السرخسي في المبسوط: ولو أن رجلاً أعطى رجلاً دنانير مضاربة فعمل بها، ثم أراد القسمة كان لرب المال أن يستوفي دنانير، أو يأخذ من المال بقيمتها يوم يقتسمون؛ لأن المضارب شريك في الربح، ولا يظهر الربح إلا بعد وصول كمال رأس المال إلى رب المال، إما باعتبار العين أو باعتبار القيمة، وقد بينا في إظهار الربح أن المعتبر قيمة رأس المال في وقت القسمة. انتهى.

وإذا جاز اقتسام رأس المال بقيمته، جاز أن يكون نصيب رب المال من رأس ماله وربحه في ذمة العامل كما هو الحاصل للسائل، ولا يجوز للعامل بعد ذلك أن يمتنع من السداد بعذر عدم البيع ونحو ذلك؛ بل يبقى المال المتفق عليه ديناً في ذمته، وتحرم عليه مماطلة رب المال إذا كان مليئاً، أما إذا كان معسراً فليس أمام رب المال إلا إنظاره إلى يساره، قال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة:280}.

فإذا رأى رب المال شدة عُسره وعدم تمكنه من السداد استحب له العفو والتنازل، قال الله تعالى: وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة:280}، وراجع الفتوى رقم: 8151، والفتوى رقم: 53270.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني