الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ينال العذاب بعض الصحابة ومنهم وحشي

السؤال

في إحدى المحاضرات عن الصحابة.. تكلم المُحاضر عن فضل الصحابة وسبقهم في الدين.. وثناء الله عليهم وأقوال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم.. لكن بدت لي بعض الأسئلة حول هذه النقاط:
أولاً: هل يمكن الجزم لأفراد الصحابة الذين لم يَرِد النص بأنهم داخلو الجنة، هل يمكن الجزم لهم بدخولهم الجنة استدلالاً بالآية (وكلاً وعد الله الحسنى)؟ وإن جاز الجزم فهل نجزم أيضًا بدخولهم الجنة دون سابقة عذاب، فمثلاً لو لم يرد نصٌ في أن عمرو بن العاص -رضي الله عنه وأرضاه- أنه من المبشرين بالجنة فهل نجزم له بها دون سابقة عذاب أم لا؟
ثانيًا: حين تكلم المُحاضر عن وحشي بن حرب -رضي الله عنه- قال إنه سيعذب ولا بد جرّاء قتله حمزة -رضي الله عنه-، وقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قبِل إسلامي إلا أنه قال له: (لا تريني وجهك) كما في رواية الطبراني على ما أذكر، وقال أيضًا إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال ما معناه: إن الله لم يكن ليدع قاتل حمزة.. ثم ختم حديثه بقوله: إنهم وجدوا وحشيًا هذا مدمنًا للخمر قبل وفاته..
والسؤال: هل يصح هذا الكلام؟ على الرغم من أني وجدت روايات أخرى في الطبراني أيضًا على ما أذكر أنه روى بضعة أحاديث، منها الحديث (اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه)، والحديث الذي فيه أن من أحب شخصًا فليعلمه..؟ أعتذر حقًا عن الإطالة.. وبارك الله لنا فيكم وجزاكم الله خيرًا..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد سبق تفصيل القول في الشهادة للصحابة رضوان الله عليهم بالجنة في الفتوى رقم: 23025.

أما تعذيب بعض الصحابة فقد وردت فيه أحاديث فيها إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بتعذيب بعض من أصابوا ذنوباً من الصحابة ممن شاء الله أن يؤاخذهم بذنبهم، منها: حديث عمر عند مسلم قال: لما كان يوم خيبر قالوا: فلان شهيد، فقال صلى الله عليه وسلم: إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة. وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة بلفظ: إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه ناراً، فجاء رجل بشراك أو بشراكين، فقال: هذا شيء كنت أصبته، فقال صلى الله عليه وسلم: شراك أو شراكان من نار.

قال الحافظ: يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها ناراً فيعذب بها، ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب العذاب، وكذلك الشراك. انتهى.

ومنها: حديث أبي هريرة في المرأة التي كانت تؤذي جيرانها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي في النار. رواه أحمد وصححه الألباني.

وأما جزم المحاضر بتعذيب وحشي رضي الله عنه فلا يجوز؛ لأن وحشيا وإن كان قتل حمزة رضي الله عنه فقد تاب وأسلم وأتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً، والإسلام يجب ما قبله؛ كما ثبت في مسند أحمد من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، وقال الله تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا {الفرقان:68-69-70}.

وروى البخاري عن ابن عباس: أن سبب نزولها أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت الآيات ونزل قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

وأيضاً ثبت أن وحشياً قتل بحربته مسيلمة الكذاب وكان يقول: قتلت بحربتي خير الناس وشر الناس. رواه ابن إسحاق، قال ابن تيمية: ولا نشهد لمعين أنه في النار لأنا لا نعلم لحوق الوعيد له بعينه، لأن لحوق الوعيد بالمعين مشروط بشروط وانتفاء موانع. انتهى.

أما قوله صلى الله عليه وسلم: فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني. رواه البخاري، فسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم حزن على عمه حزناً شديداً وقال: -كما عند ابن شهاب-: لن أصاب بمثلك أبداً. فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرى قاتل عمه ولكن قبل إسلامه، بل روى الطبراني في الكبير والأوسط أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل إلى وحشي يدعوه للإسلام، قال الحافظ: وفيه -أي الحديث السابق- المرء يكره أن يرى من أوصل إلى قريبه أو صديقه أذى، ولا يلزم من ذلك وقوع الهجرة المنهية بينهما، وفيه: أن الإسلام يهدم ما قبله. انتهى.

أما قول عمر فذكره ابن إسحاق في السيرة مرسلاً قال: وبلغني...... وذكره. والمرسل من أقسام الضعيف فلا يحتج به إلى ما ذهب إليه المحاضر.

وأما قوله (إن وحشياً مدمن خمر) فقد روى موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: مات وحشي بن حرب في الخمر فيما زعموا. فهو مرسل لأن ابن شهاب كل مروياته عن التابعين ومراسيله مثل الريح، كما قال ابن أبي حاتم، فضلاً عن أنه يضعف الأثر بقوله (فيما زعموا).

أما الكلام على الصحابة بهذه الطريقة فلا يجوز لا سيما إن كان الاعتماد على روايات لم تثبت، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 2429، 36106، 6283، 47533.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني