الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصل الدية ووقت اعتبار القيمة

السؤال

الملاحظ أن كثيرا من الدول الإسلامية تعدل مقادير الدية من وقت لآخر بحسب ارتفاع الأسعار والمعيشة... إلخ، وبعض الأحيان يُنص بأن هذا التعديل يعمل به قضاء في الوقائع اللاحقة عليه، فهل هذا سليم وسائغ، أفيدونا جزاكم الله خيرا، وسبب الاستشكال هو أن الأصل في الدية الإبل وما قدر من النقود فهو قيمة لها، وبالتالي فالمفترض اعتبار مقدار الدية في وقت صدور الحكم لا تاريخ الوفاة.. وبالتالي: إن زيد في التقدير بعد الوفاة وقبل الحكم أفليس الأولى أن يكون الحكم وفق التقدير الجديد لا السابق؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن مقدار الدية قد حدده النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمرو بن حزم الطويل وهو في مستدرك الحاكم وغيره، فجعل الدية مائة من الإبل، وقضى فيها بألف دينار ذهبي في حديث عمرو بن حزم، وقضى فيها باثنى عشر ألف من الفضة كما في حديث ابن عباس في السنن.

وقد اختلف أهل العلم في الذهب والفضة، هل هما من أصول الدية أم أنهما عوض عن الإبل، فذهب الجمهور ومنهم المالكية والحنابلة والحنفية والفقهاء السبعة والشافعي في القديم إلى أنهما أصل لا يتغير بتغير أسواق الإبل.

قال ابن قدامة في المغني: أي شيء أحضره من عليه الدية من هذه الأصول لزم الولي أخذه ولم يكن له المطالبة بغيره سواء كان من أهل ذلك النوع أو لم يكن لأنها أصول في قضاء الواجب يجزئ واحد منها فكانت فبها الخيرة كخصال الكفارة. وذهب الشافعي في الجديد وهو رواية عن أحمد وهو الراجح عند ابن حزم، إلى أن الأصل هو الإبل فقط وأن ما عداها من الذهب أو الفضة أو غيرهما تعوض به الإبل بالغة ما بلغت.

وبناء على ما ذكرنا من خلاف الفقهاء في الموضوع يتبين أن القول بأن الأصل هو الإبل وأن ما عداها قيمة لها مخالف لمذهب الجمهور كما سبق.

وأما إذا اعتبرنا قول الشافعي في الجديد فإنه قد نص على أن الإبل تعوض مهما بلغ ثمنها، وإذا اعتبرنا أن النقدين أصل في الدية فإنه إذا عوضا بالعملات الحالية فإن مقادير الدية من العملات تتغير بغلاء الذهب والفضة ورخصهما.

وأما مسألة اعتبار القيمة وقت صدور الحكم أو وقت الجناية فإنها ينظر فيها بحسب الأقوال السابقة، فإن كانت الإبل هي الأصل كما ذهب إليه الشافعي في الجديد فإن الجاني مطالب بمائة من الإبل وهي دين في ذمته فإن أراد دفع الدية بعوضها دفع قيمتها وقت الدفع.

وإن اعتبرنا أن كلا من الذهب والفضة أصل فإنه يطالب الجاني بالمبلغ المطلوب منهما وقت الدفع أو بما يعادله من العملات الحالية، وإن استدعته المحكمة لتحكم عليه فالمعتبر هو القيمة وقت الحكم، ومثال هذه المسألة ما ذكره الفقهاء فيمن كان عليه دين من ذهب ثم أراد قضاءه بالفضة فإنه يقوم ثمن الذهب وقت الدفع، وراجع للتوسع في الموضوع المغني لابن قدامة والمجموع للنووي والمحلى لابن حزم، وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 34509، 14696.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني