الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يعذر الذين لم يبحثوا عن الحقيقة

السؤال

هل الذين اتبعوا علماءهم من الطوائف الأخرى والذين لم يبحثوا عن الحقيقة معذورين لعدم علمهم بالحقيقة، وإنما اتبعوا علماءهم، وفي هذه الحالة هل التمييز بالعقل وتقصي الحقائق يعتبر واجبا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الخلاف الذي وقع في الأمة المسلمة منه ما هو سائغ ومنه ما ليس بسائغ، إذ أن المسائل المجمع عليها في العقائد والفروع الفقهية لا يجوز فيها الاختلاف، لأنها صارت من المعلوم من الدين بالضرورة، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 56408.

قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم) ص67: وفي الجملة فما ترك الله ورسوله حلالا إلا مبينا ولا حراماً إلا مبينا، لكن بعضه كان أظهر بيانا من بعض، فما ظهر بيانه واشتهر وعلم من الدين بالضرورة من ذلك، لم يبق فيه شك ولا يعذر أحد بجهله في بلد يظهر فيها الإسلام.

إلا أن عدم العذر في هذه المسائل مشروط بقيام الحجة وبلوغها، وهذا من تمام عدل الله تعالى وسعة رحمته أنه لا يعذب من لم تبلغه حجة الله تعالى، قال عز وجل: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {الإسراء:15}، وقال تعالى: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {النساء:165}، وقال تعالى: كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ* قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ {الملك:9}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 2/41: ومثل هذا في القرآن متعدد، بين سبحانه أنه لا يعاقب أحداً حتى يبلغه ما جاء به الرسول، ومن علم أن محمداً رسول الله فآمن بذلك ولم يعلم كثيراً مما جاء به، لم يعذبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على ترك الإيمان (إلا) بعد البلوغ، فأن لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أولى وأحرى.

فمن لم تبلغه الحجة لعارض من العوارض المعتبرة شرعاً، فإن الله لا يعذبه، وانظر تفسير السعدي 4/266، ومن العوارض المعتبرة شرعا عدم تمكن المكلف من فهم الخطاب الشرعي وعدم انتفاء الشبهات، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 23/246: قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون قد عرضت له شبهات يعذره الله بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق، فإن الله يغفر له خطأه كائنا من كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، وهذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام.

ومن العوارض المعتبرة شرعاً أيضاً جهل العوام المقلدين بحال المتبوعين الضالين، وإحسان الظن بهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية 2/367-368 في معرض كلامه عن غلاة الصوفية: فكل من كان أخبر بباطن هذا المذهب ووافقهم عليه، كان أظهر كفرا وإلحاداً، وأما الجهال الذين يحسنون الظن بقول هؤلاء ولا يفهمونه، ويعتقدون أنه من جنس قول المشايخ العارفين الذين يتكلمون بكلام صحيح لا يفهمه كثير من الناس، فهؤلاء تجد فيهم إسلاماً وإيماناً ومتابعة الكتاب والسنة بحسب إيمانهم التقليدي، وتجد فيهم إقراراً لهؤلاء وإحسانا للظن بهم وتسليما لهم بحسب جهلهم وضلالهم.

وهذا لا يعني أن يقر هؤلاء الجهال على جهلهم، بل يجب أن يُعرَّفوا بحال متبوعيهم، وما هم عليه من الضلال، قال ابن تيمية أيضاً 2/132: ومن كان محسنا للظن بهم وادعى أنه لم يعرف حالهم، عرف حالهم، فإن يباينهم ويظهر لهم الإنكار، وإلا لحق بهم وجعل منهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني