الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا فتاة عمري 33سنة ملتزمة كنت عند صديقة لي ووجدت عندها سيدة من معارفها هذه المرأة ليست بعرافة أو مشعوذة لأنها تخاف الله بها مس من الجن ويمكن أن تعرف ما بك وقد شفي على يديها الكثير بالمختصر قالت لي عندي سحر عبارة عن قفلين مدفونين تحت التراب في كفن ميت معمول من طرف امرأة لعدم زواجي وقالت تكون عندك عروض زواج خارج بيتك ولكن ليس هناك من يدق بابك وهذا صحيح ،سؤالي: أنا في حيرة من أمري ماذا أفعل؟ لاأريد فعل شيئ يغضب الله فهل آخذ بجدية ما قالت لي السيدة لأني أعرف أن السحر موجود و الرسول صلى الله عليه وسلم قد سحر من قبل و في هذه الحالة ماذا أفعل؟ أرجو منكم إجابتي في أسرع وقت دون إحالتي على سؤال آخر.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإننا ننبهك أولا على أن تبتعدي كل البعد عن هذه المرأة، ولا تغتري بما يظهر عليها من صلاح ما دام المصدر الموجود عندها عن خبر السحر هو كون الجن يخبرونها بذلك، ومع هذا نقول لك إن السحر موجود، وله تأثير على المسحور كما قال تعالى: وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ {البقرة:102ـ103} وقد ثبت في صحيح الإمام البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله وأنه قال لها ذات يوم : أشعرت أن الله تعالى أفتاني فيما استفتيته ؟ إنه أتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال: ما وجع الرجل ؟ قال: مطبوب (مسحور) قال : من طبه؟ قال : لبيد بن الأعصم في مشط ومشاطة، في جف طلعة ذكر في بئر ذي أروان. وما دام السحر موجودا ومؤثرا فقد شرع الله علاج السحر عند تحقق أو توهم حصوله بالرقى الشرعية كما شرع علاج جميع الأمراض، فيشرع رقية المصاب نفسه وذهابه لراق سليم المعتقد مستقيم في دينه ليرقيه مع الالتزام بالضوابط الشرعية من ترك الخلوة بالراقي، وعدم نظره ومسه ما لايحتاج إليه من جسم المرأة، وننصح السائلة الكريمة أن تعتصم بالله تعالى، وأن تكثر من ذكره وشكره، والتقرب إليه بطاعته ومرضاته، وبالمحافظة على الوضوء وبقراءة الأوراد والأذكار الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. حيث ورد عنه صلى الله عليه وسلم أذكار تقرأ في الصباح والمساء، وهذا أحسن ما يمكن للإنسان أن يصان به ويحفظ من الحسد والمس والجن والعين وغير ذلك. وهذه الأذكار موجودة في كتاب (حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة). والحذر الحذر من المعاصي والذنوب، فإنها التي تعسر على الإنسان في الحياة أموره، وتكون سببا في معاناته وتعبه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. رواه أحمد وابن ماجه. مع العلم بأن تأخير الزواج، وعدم تيسير الأمور لا يدل بالضرورة على السحر والحسد، بل قد يكون لأمور أخرى، وحكم لا يعلمها إلا الله، وقد يكون هذا التأخير هو الأحمد عاقبة والأنفع، قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ{البقرة: 216}. والطريقة الصحيحة -إذا أردت أن ترقي نفسك من السحر أو العين أو غيرهما- أن تضعي يدك على رأسك أو غيره من بدنك كصدرك، ثم تقرئي سورة الفاتحة وآية الكرسي وسورة الإخلاص وسورتي المعوذتين، والآيتين من آخر سورة البقرة والآيات التي فيها إبطال السحر وهي: آية: 102 من سورة البقرة، والآيات: 117-120 من سورة الأعراف، والآيات: 80-82 من سورة يونس، وآية 69 من سورة طه، وكذلك تقرئي ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث الرقية، كحديث عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المريض فدعا له قال: "أذهب الباس رب الناس، واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما" متفق عليه. ولا بأس أن يقرأ المريض في ماء وزيت زيتون أول سورة الصافات وسورة الدخان إضافة إلى التعوذ بالله مثل أن يقول: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة. أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم 3/ مرات لكل ذكر ثم ينفث في الماء وزيت الزيتون ويشرب الماء ويدلك جسم المريض بزيت الزيتون، وقد ذكر ابن القيم أثرا عن أبي حاتم عن ليث بن أبي سليم قال: بلغني أن هؤلاء الآيات شفاء من السحر بإذن الله تقرأ في إناء فيه ماء ثم يصب على رأس المسحور والآيات هي قوله تعالى: فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ {يونس:81}. وقوله: فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {لأعراف:118}. وقوله: إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى{طـه: 69}. وعلق عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قائلا: ثبت في سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ماء في إناء وصبه على المريض، وبهذا يعلم أن التداوي بالقراءة في الماء وصبه على المريض ليس محذورا من جهة الشرع إذا كانت القراءة سليمة. انتهى كلام الشيخ رحمه الله. وعليك بالالتجاء إلى الله والتسبب بما يعينك في موضوع الزواج، والدعاء ببعض الأدعية المأثورة المهمة في هذا الموضوع منها: حديث أنس قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. رواه البخاري ومسلم، ومنها: الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: قل: اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني، فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك. رواه مسلم من حديث طارق الأشجعي. وننصحك بالمحافظة على الحجاب الشرعي والعفة والبعد عن الاختلاط؛ لقوله تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ {النور: 33}. ولقوله صلى الله عليه وسلم: ومن يستعفف يعفه الله. رواه البخاري من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه. كما ننصحك بالسعي في طلب أبيك أو ولي أمرك أن يعرضك على أحد الشباب المستقيمين إن تيسر ويزوجك به، ولا يمنعنك من ذلك كونه فقيرا فعسى أن يغنيه الله بسبب الزواج، قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ {النور:32}.، وقال صلى الله عليه وسلم: من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، وأنكح لله فقد استكمل إيمانه. رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، ورواه أحمد والترمذي وحسنه الأرناؤوط والألباني. وعليك بالحرص على تخفيف المهر فهو من يمن المرأة كما في الحديث: إن من يمن المرأة تيسير خطبتها، وتيسير صداقها، وتيسير رحمها. رواه أحمد من حديث عائشة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني