الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

من خلال قراءتتي للأحاديث مر معي حديث مكتوب فيه أن الشهيد يشفع في سبعين من أهله.السؤال :هل هناك تحديد لمن يشفع هذا الشهيد من أهله, وإذا كان من أهله من يقوم بالكبائر وغير مصل فهل يشفع له أيضا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن تحديد ما يحصل في الآخرة لا بد فيه من دليل لأن أمور الآخرة من الغيب الذي لا يعلم إلا بدليل. وانطلاقا من دلالة كلمة أهل في القرآن والسنة واللغة ورواية أخرى للحديث يعلم أن قرابته وزوجه يدخلون في عموم الأهل فقد نقل صاحب اللسان عن ابن سيده: أهل الرجل عشيرته وذوو قرباه، وقد أطلقت كلمة أهل في القرآن والسنة على الزوج والولد وأولياء المعني. قال الله تعالى: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ {النساء: 25}. فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا {النساء: 35}. وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا {النساء: 92}. وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {هود:45}. فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا {القصص: 29} وفي صحيح مسلم عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندهها ثلاثا وقال إنه ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي. فالمقصود بالأهل في الآيات الأولى القرابة وفي آية نوح الولد وفي آية موسى الزوجة وفي حديث مسلم الزوج. وثبت في في الحديث شفاعة الشهيد في قرابته كما في حديث: للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده في الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوته منه خير من الدنيا وما فيها ، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه. رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه. ولا بد للمشفوع فيهم أن تتوفر شروط الشفاعة، فللشفاعة شروط ثلاثة: رضاء الله عن الشافع ورضاه عن المشفوع له، وإذن الله للشافع أن يشفع. قال تعالى: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى {لنجم:26}. وقال: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً { طـه:109}. وقال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ {البقرة: 255}. والكبائر لا تمنع من الشفاعة، فمن معتقد أهل السنة والجماعة أن أهل الكبائر من هذه الأمة لا يخلدون في نار جهنم، وأن من استحق منهم النار ودخلها سيخرج منها بعد أن ينال نصيبه من العذاب، أو يشفع فيه أحد الشافعين. ويدل لكونهم لايمنعون الشفاعة ما في الحديث: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي. رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح. وإنما يمنع الشفاعة الكفر لقوله تعالى: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ {المدثر:48}. مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ {غافر: 18}. وأما تارك الصلاة كسلا فيدخل في عموم المشفوع فيهم عند الجمهور القائلين بعدم كفره ولا يدخل عند من كفره بتركها، وأما تاركها المنكر وجوبها فهو كافر عند الجميع ولا تنفعه الشفاعة، وراجع في تفصيل كلام العلماء وبيان أدلتهم في تارك الصلاة بعض الفتاوى السابقة فيها فابحث عن كلمة تارك الصلاة لتطلع عليها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني