الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في بيع رباع مكة

السؤال

بيوت مكة لا يجوز بيعها ولا تأجيرها حسب الحديث النبوي رواية الأعمش عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "مكة حرام ، لا يحل بيع رباعها ولا أجور بيوتها " ما مدى صحة هذا الحديث.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحديث رواه ابن أبي شيبة في مصنفه مرسلا: حدثنا أبو بكر قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مكة حرم حرمها الله لا يحل بيع رباعها ولا إجارة بيوتها. ومعلوم أن المرسل من أقسام الضعيف، إلا أنه في معناه أحاديث اختلفت فيها أنظار العلماء بين مصحح ومضعف. وقد لخص فضيلة الشيخ/ صالح الفوزان خلاف العلماء في ذلك مع بيان الراجح في كتابه ( من فقه المعاملات المالية) فأجاد وأفاد، قال حفظه الله تحت عنوان: أرض الحرم ( رباع مكة): الرباع [المساكن والمنازل]. وأراضي المناسك لا كلام فيها فلا يجوز تملكها ولا بيعها ولا شراؤها. والكلام في غير المشاعر من أراضي الحرم، وفيها خلاف بين العلماء كما يلي:

القول الأول: لا يجوز بيع رباع مكة ولا شراؤها ولا تملكها والناس فيها سواء ومن سبق إلى شيء منها فهو أحق به، وهذا قول مالك وأبي حنيفة ورواية عن أحمد. أدلتهم: 1ـ قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {الحج:25} ، فقوله ( سواء ) أي : مستوين لا يستبد فيه أحد. والعاكف: المقيم، والباد: القادم، فهم سواء. والمسجد الحرام، هو الحرم كله بدليل قوله تعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى {الإسراء: 1}. وقد أسري به من بيت أم هانئ أو خديجة. 2ـ قوله تعالى: إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ {النمل: 91}. والبلدة هي مكة. والذي حرمها: دليل على أنها محرمة لا يجوز بيعها وشراؤها، فالتحريم عام يشمل تحريم بيعها وشرائها واستباحتها وغير ذلك. 3ـ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: منى مناخ من سبق، وهي من الحرم، فالحرم كله مناخ لمن سبق. 4ـ كون عمر رضي الله عنه يمنع تأجير بيوت مكة وكانوا يسمونها أراضي السوائب ومنعوا تركيب الأبواب على الدور فيها. 5 ـ أن أراضي مكة موقوفة لأنها فتحت عنوة ولم تقسم فلا يجوز بيع الوقف.

القول الثاني: قول الشافعي ورواية عن الإمام أحمد وهو جواز بيع رباع مكة وشرائها. أدلتهم: قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ {الحشر: 8}. وديارهم في مكة والنسبة للتمليك. 2ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتنزل غداً في دارك؟ فقال: (وهل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟.) فدل على أن رباع مكة ودورها تباع وتورث. 3ـ قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن ومن دخل داره فهو آمن. فدل على ملكية أبي سفيان وغيره للدور. 4ـ أنه كان للصحابة دور في مكة تختص بهم كبيت أبي بكر والزبير والأرقم وغيرهم كثير. 5ـ أن الصحابة باعوا دورهم في مكة، فقد باع حكيم بن حزام دار الندوة على معاوية، وباع صفوان بن أمية داره على عمر واتخذها عمر سجناً.

والراجح ـ والله أعلم ـ القول الثاني لظهور أدلته، قال الموفق: وهو أظهر في الحجة والأحاديث التي وردت في النهي كلها ضعيفة. وقوله تعالى: وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً {الحج: 25}. فهذا خاص بالمصلى فقط بدليل أنه لا يجوز نحر الإبل وإنشاد الضالة في المصلى ويجوز خارجه، ولا يجوز إلقاء القاذورات في المسجد، ويجوز خارجه من الحرم. فغير المسجد ليس سواء فيجوز تملكه دون المصلى، والمراد بالتحريم في قوله تعالى: هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا {النمل: 91}. أي حرم الصيد واللقطة لغير منشد وقطع الشجر وغير ذلك. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: منى مناخ من سبق. فهذا في أماكن المشاعر فهي وقف على المسلمين لا يجوز تحجزها وهو غير الكلام في بقية أرض الحرم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني