الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم زكاة الحلي إذا كان بنية الزينة والادخار

السؤال

أنا امرأة متزوجة وأملك مجوهرات تحتوي على ذهب وألماس ونيتي في شراء مجوهراتي الزينة أولاً ثم الادخار لظروف المستقبل المجهولة مع العلم بأن هذه المجوهرات مصاغة جدا وليست سبائك فهل تجب الزكاة علي مع العلم بأني خريجة شريعة لكنلا أستطيع إفتاء نفسي حتى لا أحابيها. وشكرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد اختلف العلماء في وجوب زكاة الحلي المباح المعدّ للاستعمال، ولم يكن المراد منه الادخار أو التجارة، وذلك على قولين:
الأول: لا تجب الزكاة فيه، وهو قول الجمهور، وهو مروي عن خمسة من الصحابة: ابن عمر، وجابر، وأنس، وعائشة، وأسماء رضي الله عنهم. وإليه ذهب مالك بن أنس، وأحمد بن حنبل، (في ظاهر المذهب) والشافعي في أحد قوليه، وهو (المذهب المعتمد عند الشافعية)، وبه قال إسحاق بن راهويه، وأبو عبيد، وأبو ثور، والشعبي..
القول الثاني: تجب الزكاة فيه إذا بلغ النصاب، وهو خمسة وثمانون جراماً وحال عليه الحول، وهو مروي عن: عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وابن سيرين، والزهري، والثوري، وبه قال الأحناف.
والراجح ـ والله أعلم ـ عدم وجوب الزكاة في الحلي (المباح) المعدّ للاستعمال لعدة أمور منها: أن هذا الحلي متاع شخصي، وليس مالاً مرصداً للنماء، لأن من القواعد العامة التي تراعى في الزكاة كون المال نامياً، أو قابلاً للنماء. لكن هذا الحُلي مستعمل منتفع به، وهو من حاجات المرأة وزينتها، فهو بالنسبة لها كالثياب والأثاث والمتاع. ولأن الأحاديث الموجبة للزكاة في الحلي تطرق إليها الاحتمال، حيث أن من العلماء من حكم بأنها منسوخة، ومنهم من ضعف أسانيدها، وإذا كان الأمر كذلك، فالأصل براءة الذمة من التكاليف ما لم يرد بها دليل شرعي صحيح. ومع ذلك فلو زُكي هذا الحلي لكان أولى، خروجاً من الخلاف. أما الحلي المعدّ للادخار والكنز، أو المتخذ بنيّة التجارة، فالزكاة فيه واجبة بلا ريب. قال النووي: (قال أصحابنا: لو اتخذ حليا ولم يقصد به استعمالاً محرماً ولا مكروها ولا مباحاً، بل قصد كنزه واقتناءه، فالمذهب الصحيح وجوب الزكاة فيه، وبه قطع الجمهور) المجموع (6/36) وقال ابن قدامة: (وإذا كان الحلي للبس، فنوت به المرأة التجارة انعقد عليه حول الزكاة من حين نوت لأن الوجوب هو الأصل، وإنما انصرف عنه لعارض الاستعمال فعاد إلى الأصل بمجرد النية من غير استعمال) المغني (2/608) كما تجب الزكاة في ما لم يأذن فيه الشرع، كتحلي الرجل بالذهب من خاتم أو غيره، وكتحليه بالفضة إن لم تكن خاتماً. هذا عن حكم زكاة الحلي في الجملة، وأما بالنسبة لسؤالك أنت فإنك قد صرحت بأن قصدك ليس هو مجرد التحلي، بل انضم إليه قصد الادخار. فلعل القول بوجوب الزكاة في حقك هو القول الأرجح، وذلك لما يلي:
1- أن من أهل العلم من أوجب الزكاة في الحلي ولو لم يكن بنية الادخار كما تقدم.
2- أن الذين أسقطوا الزكاة فيه قيدوا ذلك بما إذا لم يقصد به الادخار، وأنت قصدت التحلي ـ والادخار، ولا أثر هنا لنية الاستعمال، ما دامت نية الادخار موجودة.
أما المجوهرات من غير الذهب والفضة كاللؤلو والألماس ونحوهما فلا تجب فيها الزكاة إلا أن تكون للتجارة، فما كان للتجارة فإنه يقوم وتخرج زكاته إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول وأما المستعمل والمدخر فلا زكاة فيه.
ثم إن المسلم الذي آتاه الله حظاً من العلم لا يليق به أن يحابي نفسه، بل عليه أن يفتيها، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استفت قلبك: البر ما اطمأنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك" رواه أحمد، والدارمي، والطبراني، وحسنه النووي.
والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني