الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

لي أخت أصيبت بالكآبة الشديدة من سنين وهي ملتزمة شرعيا وتجيها حالات من اللاوعي حتى تقبل على الانتحار ولم أترك علماء ثقات إلا وكشفت عن حالتها وقالوا بأن مرضها ليس بمس ولم أترك طبيبا في البلد دون جدوى وقال لي أحد ممن يملكون الخبرة في مجال هذا المرض قال لي إن دواءها أكل كبد الذئب وهي مجربة عندنا وقال عالجت مثلها فهل يحل أكلها وهي حالة اضطرار أفتونا مأجورين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله العظيم لأختك الشفاء وقبول العمل، واعلم أن الله ما أنزل داء إلا وجعل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، فعند أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء. فلا تيأس من رحمة الله ولا تقنط من فرجه، وخذ بأسباب التداوي، وألح على الله بالدعاء موقنا بالإجابة معتصما به، متوكلا عليه، متبرئا من كل حول وقوة لغيره يكشف كربتك فهو القائل: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل: 62}

واعلم أن الأصل في التداوي بالمحرمات والنجاسات الحرمة، لعموم الأدلة في ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام. رواه أبو داود. وقول أبي هريرة رضي الله عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث. رواه أحمد وأبو داود والترمذي.

وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير. رواه مسلم. والمراد بذي الناب ما يعدو بنابه كالأسد والنمر والفهد والذئب، فهذه المسميات وما في معناها محرمة عند جمهور العلماء.

ولكن عند الضرورة يجوز التداوي بالمحرم غير المسكر، والدليل على ذلك الأدلة العامة على إباحة المحرم للمضطر، كقوله سبحانه: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام: 119} ففي هذه الآية وغيرها دليل على إباحة تناول المحرمات عند الاضطرار.

قال العز بن عبد السلام رحمه الله: جاز التداوي بالنجاسات إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها، لأن مصلحة العافية والسلامة أكمل من مصلحة اجتناب النجاسة. انتهى من قواعد الأحكام.

وقال النووي في المجموع: إذا اضطر إلى شرب الدم أو البول أو غيرهما من النجاسات المانعة غير المسكر جاز شربه بلا خلاف... إلى أن قال: وإنما يجوز التداوي بالنجاسة إذا لم يجد طاهرا يقوم مقامها، فإن وجده حرمت النجاسة بلا خلاف، وعليه يحمل حديث "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" فهو حرام عند وجود غيره، وليس حراما إذا لم يجد غيره. وإنما يجوز ذلك إذا كان المتداوي عارفا بالطب يعرف أنه لا يقوم غير هذا مقامه، أو أخبر بذلك طبيب موثوق بخبرته.

وبناء على هذا، فإذا ثبت علميا أن في أكل كبد الذئب علاجا لهذا المرض ولم يكن هنالك ما يغني عنها فلا حرج في التداوي بها إن شاء الله.

وراجع في خطورة الانتحار الفتوى رقم: 10397 ، ورقم: 54026 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني