الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم تناول الطعام في مطعم يقدم الخمر

السؤال

السؤال هو:
نحن نعيش في أمريكا للدراسة والحمد لله متلزمون بقدر استطاعتنا وهناك من العرب المسلمين من له مطعم والآن صار يقدم الخمر في المطعم و له راقصات يرقصن كل يوم جمعة. أنا لم اعد أذهب هناك إطلاقا و أحاول أن أقنع الشباب الآخرين أن لا يذهبوا لأن الذهاب هو دعم لهذا الشخص الذي يجاهر بالمنكر. و لكن الشباب يريدون فتوى بالأدلة على أن الذهاب ودعم ذلك الشخص حرام و هم يحتجون بأن نعامل هذا الشخص المسلم كما نعامل الأمريكان غير المسلمين الذين نذهب لنأكل في مطاعمهم؟ ما رأيكم ؟ و ما رأيكم في ذهابنا أحيانا للأكل في المطاعم الأمريكية علما أنه لا يوجد إلا مطعم واحد مسلم و علما أن معظم المطاعم الأمريكية تبيع الخمر و هو ليس محرما عندهم؟أفتونا أثابكم الله

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلم أنه لا يجوز للمسلم الجلوس على مائدة تدار عليها الخمور لما أخرجه أحمد عن عمر والترمذي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر.

إذن فلا يجوز للمسلم الأكل في المطاعم التي تشرب وتباع فيها الخمور، لما في ذلك من تكثير سواد الفسقة، وإظهار الرضا بصنعهم، وغير ذلك من المفاسد. لكن إذا اضطررت إلى ذلك، فيجوز لك بشرط الجلوس على مائدة لا يوجد عليها الخمر، أو تتحرى الأوقات التي لا يظهر هذا المنكر في تلك المطاعم.

قال ابن قدامة: وإن علم أن عند أهل الوليمة منكرا لا يراه، ولا يسمعه، لكونه بمعزل عن موضع الطعام، أو يخفونه وقت حضوره، فله أن يحضر ويأكل. نص عليه أحمد. انتهى.

وما تحاوله من إقناع الشباب أن لا يذهبوا إلى ذلك المطعم الذي تباع فيه الخمور هو الصواب، لأن الذهاب إليه عون لهذا الشخص الذي يجاهر بالمنكر، والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة :2].

ولكنك إذا كنت تترك الذهاب إلى هذا الشخص المسلم بحجة أنه صار يبيع الخمر، وتذهب إلى مطاعم الكفار التي تباع فيها الخمور وغيرها من الأطعمة المحرمة، لا تكون في الحقيقة قد توصلت إلى ما أردته. لأنك بذهابك إلى تلك المطاعم تكون قد تعاونت مع من هو أسوأ حالا ممن تركت الذهاب إليه. اللهم إلا أن تظن أن ترك الذهاب إليه سيجعله يرجع عن بيع الخمر، وهو أمر مستبعد.

فالأفضل أن تتركوا كل أولئك جميعا، وتذهبوا إلى مطعم لا تباع فيه المحرمات ولو كان بعيدا. لأن توخي الحلال في المأكل مأمور به، وهو سبب في استجابة الدعاء. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم-وقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم- ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟

وإذا اضطررتم إلى تناول الطعام في تلك المطاعم فلا مانع من ذلك لأن الضرورات تبيح المحظورات. ولكن عليكم أن تتجنبوا أنواع الأطعمة التي يشتبه في حرمتها، وأن لا تجلسوا على مائدة تدار عليها الخمور.

واعلموا أنكم إذا لم تتيسر لكم في البلد الذي تقيمون فيه وسيلة تستغنون بها عن الحرام، فواجب عليكم الهجرة إلى حيث يتيسر لكم ذلك. لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني