الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لبس النقاب.. أم الاستجابة للوالدين في تركه

السؤال

عن أختي
أنا طالبة جامعية بكلية البنات جامعة عين شمس بجمهورية مصر العربية؛ وعندما تظهر النتيجة سأنتقل إلى السنة النهائية بالكلية؛ وأسكن في المدينة الجامعية التابعة للكلية لأنني من محافظه أخرى.
منذ أربع سنوات أردت أن أرتدي النقاب ولكن أبي وأمي رفضا رفضا شديدا؛ فكنت كل فتره أفتح الحوار معهم فيقابل الموضوع بنفس الرفض والتهديدات، قمت بمحاولات للضغط عليهم كالإضراب عن الطعام ولكن بلا فائدة فكنت أمتثل أنا في النهاية إلى رأيهم منعا للمشاكل ؛ إلى أن يشاء الله وأتخذ قرارا بأن أرتديه ويحدث ما يحدث ؛ وفعلت ذلك فعلا في يوم 18-3-2005واتصلت بالمنزل وأخبرتهم بأنني ارتديت النقاب فعلا فكان رد الفعل عنيفا جدا كما توقعت؛ ولكن في اليوم التالي جاءت أمي إلى المدينة وبعد فتره من الخلافات في الشارع خلعت عني أمي نقابي وعدت معها إلى البيت على أساس أنني لا أريد أن أكمل الكلية ؛ المهم بعد فترة من الإلحاح سافرت إلى الكلية على أساس أنني غير منتقبة ولكنني لم أستطع فارتديته بعد خروجي من المنزل بدون علم أهلي ؛ الوحيد الذي كان يعلم أخي الذي يصغرني بسنة فهو الذي يوصلني إلى الكلية والى البيت(محرمي) مع العلم أنه كان غير مقتنع بما أفعل ولكنه وافق على ذلك حتى أنهي امتحاناتي ولا أضيع على نفسي السنة الدراسية ؛ وبالفعل أنهيت الامتحانات وعدت إلى المنزل يوم8-6-2005 وحاولت بعد ذلك إقناع أهلي ولكني طبعا فشلت فأخبرتهم أنني لن أخرج من المنزل إلا بالنقاب فقالوا أنت حرة تبقين محبوسة في المنزل وأنا حتى هذا اليوم 8-7- 2005 لم أخرج من المنزل.
المشكلة أن أبناء عمي (ثلاثة في نفس المرحلة العمرية) المسافر خارج البلاد يعيشون معنا في المنزل وبالتالي فأنا بجلوسي في المنزل لم أحتجب عن الأجانب هذا إلى جانب أنني أخرج لأقدم التحية(مثلا) للأقارب والمعارف عندما يأتون إلى المنزل ولا أستطيع أن أرفض.
الآن أوشكت النتيجة أن تظهر وإخوتي يقولون لي أمتثل لأبي وأمي حتى أنهي السنة المتبقية لي في الكلية ولا أضيع تعب السنين الماضية هباء وحتى أتجنب ثورة أهلي الذين لن يسكتوا على عدم ذهابي إلى الكلية بدون أي رد فعل؛ وخصوصا أنه إذا قدر الله لي النجاح سأسكن في مدينه ملاصقه في الكلية والكل من حولي بنات سوى موظف الأمن على باب الكلية وعلى باب المدينة وبالنسبة للسفر ممكن أنزل مرتين اثنتين طول السنة الدراسية وبذلك فلن يراني إلا عدد قليل من الرجال كما هو الحال الآن وأنا جالسة في المنزل.
(فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )
أرجوا إفتائي في حالي حتى لا أرتكب معصية بجهلي في أسرع وقت ممكن:
هل أبقى كما أنا الآن في المنزل؟ أم هل أكمل السنة الباقية بلا نقاب كما نصحني إخوتي؟ أم هل أنزل إلى الكلية بالنقاب بدون علم أهلي ولا أنزل المنزل إلا كل فتره كما فعلت في الفترة الماضية؟
وجزاكم الله عنا كل خير.
فتوى أخرى: هل الإضراب عن الطعام والشراب حتى أضغط على أهلي في موضوع النقاب حلال أم حرام؟ هل اذا جعله الله سببا في موتي أكون في حكم المنتحره؟
ملحوظه:
أبي يرفض النقاب لأنه خائف علي من الجهات الأمنية كما يقول، مع العلم بأنه يوجد عدد لا بأس به من المنقبات في بلدي؛ وعدد كبير جدا في الكلية.
أما أمي فهي تقول لي تزوجي أولا ثم افعلي ما تريدين في بيت زوجك.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن بر الوالدين من أوجب الطاعات وأعظم القربات، وقد صرحت بذلك نصوص الكتاب والسنة، قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا {الأحقاف:15}، وقال: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {الإسراء:23}. وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذن في الجهاد، فقال له: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد. متفق عليه.

ولكن طاعة الوالدين إذا تعارضت مع طاعة الله، فإن طاعة الله أولى وأحق، روى أحمد وصححه السيوطي والهيثمي والألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

ولبس الحجاب للمرأة أمر من أوامر الله تعالى وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب:59}. وقال سبحانه: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.

فلا يجوز أن تبقي كما أنت الآن في المنزل، لما ذكرته من تركك الحجاب أمام أبناء عمك وغيرهم من الزوار، ولا يجوز كذلك أن تكملي السنة الباقية بلا نقاب كما نصحك إخوتك.

هذا هو الحكم الشرعي في المسألة، ولكن الله بلطفه بعباده، قد رفع عنهم الحرج في كل ما يضطرون إليه، ولم يجعل عليهم حرجا في الدين، قال تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ {الأنعام:119}، وقال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج:78}، وقال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة:185}.

وعليه، فإذا كنت محتاجة إلى الدراسة في الجامعة، أو إلى العيش في منزل أهلك، ولم تجدي وسيلة إلى شيء من ذلك إلا بالاستجابة إلى مطالب أبويك تلك، فلا مانع من أن تستجيبي لما يريدانه منك، إلى أن تزول الظروف التي اضطرتك إلى ذلك.

ولك أن تراجعي في حكم الإضراب عن الطعام فتوانا رقم: 8020.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني