الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الشرع من الفحص الطبي قبل الزواج أو بعده

السؤال

ما موقف الإسلام من الفحوصات الطبية قبل الزواج أو بعده إذا أظهر بعض الأمراض المتعدية ؟وإذا كانت نتيجة الفحص تثبت إصابة الأولاد بأمراض حسب رأي الطب فهل يجوز رفض هذا الزواج؟ أو الفراق بعده، أو منع الحمل. وما هو الدليل من القرآن أو السنة؟والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فمن كان سليماً معافى لا يشكو مرضاً، فلا حاجه به إلى هذه الفحوصات، وعليه أن يحسن الظن بالله تعالى، وقد يعطي الفحص نتيجة غير صحيحة، تورث صاحبها الهم والقلق.
هذا هو الأصل العام عند غلبة السلامة والصلاح على المجتمع.
ولو قدر وجود الإنسان في مجتمع تشيع فيه المنكرات والرذائل، وخشي إصابة الرجل أو المرأة ببعض الأمراض الناتجة عن عدم العفة، كان القول بإجراء هذه الفحوصات قولاً وجيها.
والمعول عليه في أمر الزواج هو اختيار صاحب الخلق والدين، وكذلك اختيار صاحبة الخلق والدين، وإلا فقد يسهل على غير أهل الاستقامة تزوير نتائج الفحوصات، وخداع الآخرين.
ومما ينبغي أن يعلم أنه يجب على كل من الزوجين إخبار الآخر بما فيه من العيوب، والأمراض المنفرة، التي تمنع الاستمتاع، كالجب والعنة والخصاء والرتق والقرن، أو تمنع كمال المعاشرة، كالجنون والبهاق والبرص والأمراض المعدية.
فإن كتم أحدهما ذلك كان غاشاً مخادعاً آثماً.
وللطرف الآخر حق الفسخ، إذا تم النكاح دون علمه بالعيب. وجمهور العلماء على حصر العيوب الموجبة للفسخ في نوعين:
الأول: العيوب التي تمنع الوطء.
الثاني: العيوب المنفرة أو المعدية. ويمثلون لها بالجذام والبرص والباسور والناسور والقروح السيالة في الفرج.
ومنهم من توسع في ذلك كالإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ حيث يقول: (والصحيح أن النكاح يفسخ بجميع العيوب كسائرالعقود، لأن الأصل السلامة ... وكل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من المودة والرحمة فإنه يوجب الخيار). انتهى.
وحيث علم أحد الزوجين بمرضه وأخبر الآخر فرضيه جاز لهما عقد النكاح، ولو قيل إن هذا المرض سينتقل إلى الأبناء، لأنها قضية مظنونة وقد تتخلف، والواجب إحسان الظن بالله تعالى، وتفويض الأمر إليه.
فإن كان قد تم الفحص وأثبت الأطباء الموثوقون بعلمهم وأمانتهم أن النسل سيولد مريضاً وراثياً بدرجة لا يستطيع العيش بها حياة عادية، فحينئذ لا بأس بعدم الزوج، أو الفراق بعده إذا رغب الزوجان، أو أحدهما في ذلك.
وإن عملا على منع الحمل بالموانع المؤقتة، فلا بأس بذلك، فقد يجد الطب مستقبلاً حلاً لمثل هذه الأمراض، وقد أورد الشافعي رحمه الله في كتاب الأم عند ذكر العيب في المنكوحة أن الجذام والبرص من العيوب التي يفسخ بها النكاح، وعلل ذلك بانتقاله إلى الولد والنسل قائلاً: والجذام والبرص فيما زعم أهل العلم بالطب يعدي ولا تكاد نفس أحد تطيب أن يجامع من هو به ولا نفس امرأة بذلك منه، وأما الولد فقلما يسلم، فإن سلم أدرك نسله، نسأل الله السلامة والعافية. انتهى.
فمضمون كلامه رحمه الله أن المرض المنتقل إلى الذرية والنسل من العيوب التي يثبت بها خيار فسخ النكاح. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني