الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى حديث "لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى.."

السؤال

ما معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق ))

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق.

وفي رواية عند أحمد من حديث أبي جري الهجيمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله تبارك وتعالى به، قال: لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وتسبيل الإزار فإنه من الخيلاء والخيلاء لا يحبها الله عز وجل، وإن امرؤ سبك بما يعلم فيك فلا تسبه بما تعلم فيه فإن أجره لك ووباله على من قال. قال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.

وقد بين العلامة المناوي رحمه الله معنى هذا الحديث وهو يتضمن الرواية الأولى وزيادة، قال في كتابه فيض القدير: لا تحقرن: أي لا تستصغرن، يقال حقره واحتقره واستصغره، قال الزمخشري: تقول -أي العرب- هو حقير فقير هو حاقر ناقر، وفي المثل من حقر حرم، وفلان خطير غير حقير(من المعروف) أي ما عرفه الشرع والعقل بالحسن (شيئا) أي كثيرا كان أو حقيرا (ولو) قال الطيبي: هذا شرط يعقب به الكلام تتميما ومبالعة، وقال أبو حيان: هذه الواو لعطف حال على حال محذوفة بتضمنها السابق تقديره لا تحقرن من المعروف شيئا على كل حال كائنا ما كان ولو (أن تفرغ) بضم الفوقية وكسر الراء تصب يقال أفرغت الشيء صببته إذا كان يسيل(من دلوك) إنائك الذي تستسقي به من البئر (في إناء) أي وعاء (المستسقي): طالب السقيا يعني: ولو أن تعطي مريد الماء ما حزته أنت في إنائك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف، وتقدم الأحوج فالأحوج، والدلو معروف ويستعار للتوصل إلى الشيء بأي سبب كان قال:

وليس الرزق في طلب حثيث * ولكن ألق دلوك في الدلاء

(أن تلقى) أي ولو أن تلقى (أخاك) أي تراه وتجتمع به، وفي رواية لأبي داود بدله وأن تكلم أخاك أراد بالأخ المسلم وإن لم يكن ابن أحد أبويه، وقيل له أخوه لأنه لابسه من قبل دينه كما تقول للرجل: قل لصاحبك كذا لمن بينه وبينه أدنى ملابسة، وذكره بلفظ الأخوة ليعطف أحدهما على صاحبه بذكر ما هو ثابت بينهما من الجنسية والإسلام ذكره الزمخشري وأصله للراغب حيث قال: هو المشارك لآخر في الولادة من الطرفين أو أحدهما أو الرضاع، ويستعار في كل مشارك لغيره في قبيلة أو دين أو صنعة أو معاملة أو مودة أو غيرها من المناسبات، ولَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ أي لمشاركتهم في الكفر وقوله: يَا أُخْتَ هَارُونَ يعني في الصلاح لا النسبة.( ووجهك) أي والحال أن وجهك إليه منبسط: أي منطلق بالسرور والانشراح. قال حبيب بن ثابت: من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه، ونظم هذا الحديث كنظم الجمان وروض الجنان. وفيه -كما قال الغزالي- رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه وقطب جبينه كأنه مستقذر للناس أو غضبان عليهم أو منزه عنهم، ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب ولا في الخد حتى يصعر ولا في الظهر حتى ينحني ولا في الرقبة حتى تطاطأ ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلب، أما الذي تلقاه ببشر ويلقاك بعبوس يمن عليك بعلمه فلا أكثر الله في المسلمين مثله، ولو كان الله يرضى بذلك ما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ....إلخ انتهى منه بتصرف.
وللاستزادة نرجو مراجعة الفتوى رقم: 1505، 37387.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني