الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من يتحمل دية قطع النسل المباشر أم المتسبب

السؤال

نشكر القائمين على هذا المركز ونكن له جل التقدير والاحترام، ومسألتي هي:
أنا امرأة تزوج علي زوجي ثلاث مرات خلال عيشة لي معه لمدة أربعين سنة مرت علي بمشاكل وسلوك زوجي غير السليم وإرغام أهلي لي بالبقاء معه على أمل أن أستقر بوجود أولاد, وتبين مع مرور الزمن أنه عقيم.. مما سبب لي أمراضا أدى إلى سعيه بقصد لإجراء عملية جراحية, واستئصال المبايض لضمان عدم الإنجاب إذا انفصلت عنه, وأنا أمية لا أعرف نتيجة هذه العملية، وبعد أن تم ذلك فوجئت بتعامل قاسويتهكم علي وعلى أهلي ويسب ويلعن، وبعد استدرجني لأخذ ما لدي من حلي ومال نقدي, وفي الأخير أقدم على الزواج من امرأة أخرى، وساءني بل وتخوفت على مستقبلي فتركته إلى بيت أهلي وأنا الآن في بيت أهلي، معلقة منذ سبع سنوات، وزوجي هذا على عصمته حاليا اثنتان في مسكنين منفصلين كنت أنا السبب في بذل كل جهدي في المشاركة ببنائهما.. وحيلة منه على حق النفقة يقوم بإرسال بعض أقاربه وغيرهم على رأس السنة والسنتين بقصد استعمالهم كشهود علي، إذا رفعت عليه دعوى، وهو حاليا مستغنِ عني حيث عمره سبعون سنة ولديه ما يعوض عني، ومعاندة منه يستمر في معاقبته لي بأن يتركني معلقة بتعمد الإضرار بي, ورفضه تطليقي، وتسريحي، حيث أنا حالياَ مهدّدة في حياتي فلا أني مع صبري الطويل معه حصلت على أولاد ولا مكنني الحظ بانفصال عنه, والله يجازي من كان السبب..لقد ضيعت زهرة شبابي دونما فائدة، مع تهديده لي بأن يجعلني مقطوعة من شجرة بقية عمري!!!!! وما يمنعني في مقاضاته خوفي من العيب من جهة وكوني امرأة ضعيفة عديم الحيلة من جهة أخرى، وسؤالي:
1- ما هو الحق الشرعي والقانوني وإنصافي وما يمكن اتخاذه ليتم الانفصال عنه في أقرب وقت؟2- ما هو الحق الشرعي والقانوني في طلبي التعويض بما تسبب لي في خداعي وتضليلي معظم عمري وبما تسبب أخيرا بإجراء عملية جراحية لاستئصال المبايض وسعيه وتوقيعه على العملية, وعدم معرفتي بعواقبها؟
3- ما هو الحق الشرعي والقانوني في أن يتركني معلقة سبع سنوات أخيرة؟4- ما هو الحق الشرعي والقانوني مع إصراري على الانفصال واستحالة رجوعي إليه –في تعويضي عن ضياع زهرة شبابي؟
5- ما هو الحق الشرعي والقانوني في ما أُخذ من حليّ ومال وينكرني حيث لا يوجد لدي من مستندات وربمايحلف اليمين لأنه لا يرعوي عن ذلك؟ أرجو الاطلاع بشكل دقيق وإفتائي عن مأساتي هذه بشكل مقنعِ وصريح, وما الخطوات, والإجراءات الأولية التي ممكن اتخاذها؟ والله يحفظكم شاكرين جهودكم في إعانتي فيما ذكرت، وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا ثبت أن زوجك قد قام بالترتيب لإجراء عملية تسببت لك في العقم الدائم وجب عليه في ذلك دية كاملة لأن تفويت جنس المنفعة هو متعلق وجوب الدية، قال في درر الحكام وهو حنفي: وفي عضو زال نفعه بضرب ديته كيد شلت وعين عميت وصلب انقطع نسله، لأن وجوب الدية يتعلق بتفويت جنس المنفعة، ولا عبرة للصورة بلا منفعة. انتهى.

وقال ابن قدامة في المغني وهو حنبلي: وإن قطع أنثييه فذهب نسله لم يجب أكثر من دية لأن ذلك نفعهما، فلم تزد الدية بذهابه معهما. انتهى.

وقال في حاشية الدسوقي وهو مالكي: فالثلاثة التي تجب فيها الدية قطعه جملة (يعني الذكر) أو قطع الحشفة وحدها، أو أبطل النسل معه بطعام أو شراب وإن لم يبطل الإنعاظ. انتهى.

وإنما قلنا بأن الزوج يضمن دية قطع النسل مع أنه لم يباشر ذلك بنفسه لتعذر إلزام المباشر بالضمان، حيث تم استئصال المبايض بناء على إذن كتابي تسمح القوانين عندهم به، وبهذا لا يمكن للمرأة المعتدَى عليها أن تحصل على حقها عن طريق قضاء يُقر ما حصل من الاعتداء، وقد نص العلماء على أن الأصل عند اجتماع المباشر والمتسبب فإن الضمان يكون على المباشر دون المتسبب.

فإن تعذر أخذ الضمان من المباشر أو نحو ذلك كان الضمان على المتسبب إذا ثبت تعديه، قال ابن قدامة في المغني: ومتى اجتمع المباشر مع المتسبب كان الضمان على المباشر دون المتسبب، كالحافر مع الدافع، وإن علم الحاكم دون الولي فالضمان على الحاكم وحده، لأن المباشر معذور فكان الضمان على المتسبب، كالسيد إذا أمر عبده بالقتل والعبد أعجمي لا يعرف تحريم القتل. انتهى.

وقال السرخسي في المبسوط: والمسبب إذا كان متعدياً في تسببه يكون ضامناً، وإن لم يكن متعدياً لا يضمن. انتهى.

أما عن حقك في هجره لك دون معاشرة بمعروف أو تسريح بإحسان فإنه يأثم على فعله، والواجب عليه أن يتوب إلى الله منه، ولا نعلم لك في ذلك حقاً مادياً يمكن مطالبته به، إلا أنه يجوز لك طلب الفراق عن طريق الجهات المختصة بالفصل في مثل هذا للضرر، وكذا للعقم الذي يتصف به الزوج، كما بيناه في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 55008، 9633، 26992، 31884.

كما يمكنك اللجوء إلى المحاكم أيضاً في الحصول على النفقة التي وجبت لك في ذمته طوال الفترة الماضية، وما أخذه الزوج من مالك مما لا يحل له أخذه فيجوز لك المطالبة به، فإن استطعت الحصول عليه فالحمد لله، وإن أنكره وراوغ في الوفاء به، فأجرك على الله تعالى، وقد وقع هو في منكر كبير، علماً بأنه يجوز لك طلب الخلع عن طريق القضاء، وإن لم يكن هناك ضرر، كما بيناه في الفتوى رقم: 64903، والفتوى رقم: 3875.

وإن كانت ثمة أضرار فلك الحق في الطلاق من غير خلع، قال خليل: ولها التطليق بالضرر البين ولو لم تشهد البينة بتكرره.

غير أن الذي نخشاه هو أن تكوني قد وقعت في النشوز المحرم دون قصد منك، وذلك بتركك اليبت لمجرد أن الزوج تزوج عليك أخرى دون أي ضرر يعود عليك منه، وفي هذه الحالة لا يكون لك حق فيما ذكرنا، بل الواجب عليك التوبة إلى الله تعالى والعودة إلى بيت زوجك ما دام الضرر منتفياً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني