الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناقشة من زعم عدم جواز الصلاة والسجود على البسط والزرابي

السؤال

شيخنا الفاضل:
بعد مطالعتي لجوابكم ، وجدت بعض الإشكالات في جواب سماحتكم ألخصها كالتالي:
قلتم:الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن أكثر الفقهاء جوّزوا الصلاة والسجود على البسط والزرابي، وما يُعرف اليوم بالسجاد، ومن الذين جوزوا ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وغيرهم. مستدلين بما رواه البخاري ومسلم والنسائي وغيرهم من حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة فيما بينه وبين القبلة، على فراش أهله، اعتراض الجنازة.
أقول:1- مم كان مصلى رسول صلى الله عليه وسلم مفروش؟ لم يتم بيان ذلك في الحديث. وأما الأحاديث التي روت الفراش أشارت صراحة إلى أن السيدة عائشة هي التي كانت مضطجعة على الفراش ولا تدل من قريب أو بعيد على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي عليه أو يمكن جبهته عليه أثناء السجود، فإن ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلى على الفراش فهذا لا يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد مكن جبهته على الفراش، وإن كانت السيدة عائشة معترضة ومضطجعة فهي لم تكن أمام الرسول صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة بطولها من قمة رأسها إلى أخمص قدمها، بل كانت مادة رجلها فقط إلى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ما دلت عليه الأحاديث عندما كانت تقبض رجليها.
2- الأحاديث التي بها لفظ فراش، من رواتها عروة بن الزبير والذي توفي عام 94 للهجرة أي أنه لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم قط، فكيف له أن يروي عن عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إذن فالرواية ساقطة أساسا ولا يصح الاستدلال بها أو إيرادها.
3- الروايات التي أوردتموها لا تدعو أو تدل أو تحض بالسجود على الفرش أو غير الأرض، بل يقابلها أحاديث تؤكد وتحض بالسجود على الأرض وتمنع السجود على الفرش ومثال ذلك:* روى عبد الرزاق عن خالد الجهني قال : رأى النبي صهيباً يسجد كأنّه يتقي التراب فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ترب وجهك يا صهيب ... كنز العمال 4 / 100 الرقم 2129 .* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : عفّر وجهك في التراب .... إرشاد الساري 1 / 405* قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا سجدت فمكّن جبهتك وأنفك من الأرض .... أحكام القرآن / الجصّاص 3 / 209* عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فآخذ قبضة من حصى في كفّي لتبرد حتى أسجد عليها من شدّة الحر... مسند أحمد 2 / 327 ، سنن النسائي 2 / 204 ، سنن أبي داود 1 / 110* يقول وائل : " رأيت رسول الله صلَّى الله عليه و آله يضع أنفه على الأرض إذا سجد ، مع جبهته " .... مسند أحمد بن حنبل : 3 / 179 ، طبعة بيروت* أبو سعيد الخدري قال: أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أنفه أثر الماء والطين .... صحيح البخاري: 1/173، 198، 2/253، 254، 256، 258، 259، سنن أبي داود: 1/143، 144، السنن الكبرى: 2/104* ابن عباس، وانس، وبريدة بإسناد صحيح مرفوعاً: ثلاثة من الجفاء: يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته وفي لفظ واثلة بن الأسقع: لا يمسح الرجل جبهته من التراب حتى يفرغ من الصلاة .... أخرجه البزار والطبراني راجع مجمع الزوائد: 83، 84* أبو عبيدة: أن ابن مسعود كان لا يصلي أو لا يسجد إلا على الأرض. ...أخرجه الطبراني في الكبير وعنه في المجمع: 2/57قلتم:وروى أحمد وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على بساط.وروى أحمد وأبو داود عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير، وعلى الفروة المدبوغة.
أقول:1- أما بخصوص الحصير فهو جائز لأنه من الأدلة على أن السجود لا يتم إلا على الأرض وما تنبته الأرض من غير المأكول، والحصير غير مأكول مما يفيد بإطلاق السجود على ما نبت من الأرض من غير المأكول، ولم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم سجد على ما يؤكل، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم وتقريره حجة.
2- الحديث لم يشر بأي وجه من الأوجه أن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع جبهته ومكنها على الفرو المدبوغ، بل أشار صراحة إلى الصلاة على الفرو المدبوغ لا على تمكين الجبهة عليه، وينفي أيضا مسألة تمكين الجبهة من السجود على الفرو المدبوغ الروايات التي أسلفتها مسبقا.
3- أيضا نقول هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على البساط، ولم يبين الحديث ما تنفيه الأحاديث التي أوردت مسبقا من تمكين الجبهة على الأرض، والبساط ليس بأرض، وبيان آخر هو أن معنى البساط هو كل ما يفرش ويبسط على الأرض، فسؤالها هو ما هي مادة هذا البساط الوارد في الحديث؟
4- الرواية ضعيفة سندا ولا يعتد بها، وذلك لوجود يونس بن الحارث الذي قيل عنه: قال أحمد: أحاديثه مضطربة. وقال عبـد الله بن أحمد: سـألته عنه مرّة أُخرى، فضعّفه ابن الحارث الذي قيل عنه : قال أحمد : أحاديثه مضطربة . وقال عبد الله بن أحمد : سألته عنه مرة أخرى فضعفه . وعن ابن عباس : ضعفه . وقال مرة : ليس بالقوي . وقال ابن أبي شيبة : سألت ابن معين عنه فقال : كنا نضعفه ضعفاً شديداً . وقال عبيد الله بن سعيد الثقفي الكوفي : قال أبو حاتم في " الجرح والتعديل " لابنه : هو مجهول وقال ابن حجر : حديثه عن 45 رقم 8185 .....الجرح والتعديل 5 / 316 ـ 317 رقم 1505 ........ تهذيب التهذيب 5 / 379 ـ 380 رقم 4427 . حديث ميمونة رضي الله عنها قولها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الخمرة . وروى مثله مسلم وغيره عن من سعف النخل ، وتنسج بالسيور والخيوط . أقول : الخمرة جاء في (لسان العرب) : الخمرة : حصيرة أو سجادة صغيرة خمرة لأنها تستر الوجه من الأرض ........ (اللسان) مادة (خمر) ص 1261 ........ فهذا تصريح ودليل على أن السجود لا يدل على جواز السجود على ما تنبت الأرض من المأكول والملبوس ، والحصير لا يؤكل ولا يلبس. صحابته رضي الله عنهم معه ، ومن بعده وتابعيهم رحمهم الله تعالى ، كانوا يصلون ويسجدون على الأرض ، لا يتخذ أحدهم من أحدهم على الصلاة على أمثالها ، بل كانوا يتحرون الصلاة والسجود على الأرض ، وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز بسط سجادة ، فأمر الإمام مالك بحبسه ، فقيل له : إنه عبد الرحمن بن مهدي ، فقال : أما علمت أن بسط السجادة في مسجدنا على الرسول صلى الله عليه وسلم بفعل أو قول أو تقرير .؟ فهذا تصريح بعدم جواز السجود على غير ما يطلق عليه الأرض وما تنبته من غير ....
قلتم : وقد روى البخاري ومسلم فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين ، حتى رأيت اثر الطين على جبهته . أقول : وهذا يدل على ...............قلتم : كالمسجد في أيامنا هذه وكثير من البيوت ، فإنه يصلى على الفرش ، أو البساط دون حرج ، وإذا احتيج لفرش سجادة أو زربية فرشها ويصلي عليها ، لكن أن يتحرى فرش سجادة أو زربية بعينها يصلي عليها ، أو أن يفرش سجادة على بساط مفروش مثله مكروه ، لا ينبغي فعله . أقول : وما هو دليل ذلك ؟ بل ما أوردناه في بياننا مسبقاً أنه لا توجد أية إشارة من بعيد أو قريب بتجويز أو فعل أو قول أو تقرير الرسول بالسجود على غير الأرض ومشتقاتها مما يؤكل أو يلبس ؟ كما تجدونه في الرد على الروايات التي أوردتموها . .
قلتم وإن الصلاة على الأرض أولى وأفضل وأقرب للخضوع لله تعالى ، وللخشوع ، وكما ذكرت ، فإن ابن تيمية رحمه الله تعالى ذكر هذه المسألة بتفصيل في مجموع فتاواه في الجزء الثاني من كتاب الفقه المجلد 22 والله أعلم ، أقول لا جديد يرويه ابن تيمية عما أسلفتم ؟ .... وعليه نرجو من سماحتكم الإفاضة علينا بجوابكم الكريم وأحسن الله لنا ولكم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنقول: قد ذكرنا الأحاديث الصحيحة الدالة على جواز السجود على الفراش ونحوه مما يوضع على الأرض، وهذا مما حصل عليه الاتفاق بين أهل العلم، وإنما اختلفوا في جواز السجود على ما يتحرك بحركة المصلي مما هو محمول له، فأجازه الجمهور ومنعه الشافعية .

وأما القول بأنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما هو نابت منها من غير المأكول والملبوس فلا دليل عليه ولا قائل به من العلماء المعتبرين، ولا بد أن نقول هنا بأن السلف أعلم منا وأفهم لأدلة الكتاب والسنة وأحرص على العمل بهما، فلانأت بقول لم نسبق إليه، فقد قال أحمد لأحد تلاميذه : إياك أن تقول قولاً ليس لك فيه سلف، وهو محمول على ما تكلموا فيه لا ما استجد من المسائل كما نص عليه الأسنوي، ولا يصح رد الأحاديث الصحيحة التي استدلوا بها على جواز السجود على الفرش دون أن يكون القائم بذلك أهلا للكلام.

ثم إن قولك أخي الكريم الأحاديث التي بها لفظ فراش ، من رواتها عروة بن الزبير والذي توفي عام 94 للهجرة أي أنه لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم قط ، فكيف له أن يروي عن عائشة عن الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ إذن فالرواية ساقطة أساساً ولايصح الاستدلال بها أو إيرادها. أهــ

قول خاطئ تماماً فقد قررت فيه عدم صحة رواية عروة بن الزبير عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لأنه لم ير الرسول صلى الله عليه وسلم . ونقول: متى كان شرطاً في التابعي أن يرى الرسول صلى الله عليه وسلم لتصح روايته عن الصحابي، ولو قلنا بذلك لم يصح حديث، وهذا من أبطل الباطل، وإذا بطل ذلك فالرواية التي استندنا إليها في صحة السجود على الفرش صحيحة، ووجه الدلالة أن عائشة رضي الله عنها كانت معترضة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما توضع الجنازة أمام المصلي، فإذا سجد غمز رجلها لترفعها فيسجد، وهذا يدل دلالة واضحة على أن سجوده كان على الفراش في المكان الذي كانت عليه رجلاها، ولو قدر أنه ليس هناك دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد على فرش أو أقر السجود عليه أو صرح بجواز ذلك فليس هناك دليل يمنع من ذلك ويبطل صلاة من سجد على فرش، وغاية ما في الأحاديث المذكورة أن السجود على الأرض أفضل، ولما كان مركز الفتوى في الشبكة الإسلامية منشغلاً بإسعاف المستفتين ببيان ما يحتاجون إليه معتمداً في ذلك على الأدلة الشرعية ومستنيراً بفهم الأئمة لها، فإننا نورد لك نقلاً واحداً ونكتفي به عن مناقشة كل ما ورد في سؤالك من الأحاديث من حيث الصحة وصواب الدلالة لأن ذلك يطول .

ففي تحفة الأحوذي: قال ابن بطال: لا خلاف بين فقهاء الأمصار في جواز الصلاة على الخمرة إلا ما روي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه، ولعله كان يفعله على جهة المبالغة في التواضع والخشوع فلا يكون فيه مخالفة للجماعة. وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض، وكذا روي عن غير عروة، ويحتمل أن يحمل على كراهة التنزيه. كذا في الفتح ص 243 ج 1. وقال الشوكاني في النيل : والحديث يدل على أنه لا بأس بالصلاة على السجادة سواء كان من الخرق أو الخوص أو غير ذلك ، سواء كانت صغيرة أو كانت كبيرة كالحصير والبساط؛ لما ثبت من صلاته صلى الله عليه وسلم على الحصير والبساط والفروة . وقد أخرج أحمد في مسنده من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأفلح : يا أفلح ترب وجهك أي في سجوده . قال العراقي : والجواب عنه أنه لم يأمره أن يصلي على التراب وإنما أراد به تمكين الجبهة من الأرض، وكأنه رآه يصلي ولا يمكن جبهته من الأرض فأمره بذلك لا أنه رآه يصلي على شيء يستره من الأرض فأمره بنزعه . انتهى . قوله: وفي الباب عن أم حبيبة وابن عمر وأم سلمة وعائشة وميمونة وأم كلثوم بنت أبي سلمة بن عبد الأسد ولم تسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما حديث أم حبيبة فأخرجه الطبراني . وأما حديث ابن عمر فأخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وأحمد والبزار . وأما حديث أم سلمة فأخرجه الطبراني . وأما حديث عائشة فأخرجه مسلم وأبو داود . وأما حديث ميمونة فأخرجه الجماعة إلا الترمذي . وأما حديث أم كلثوم فأخرجه ابن أبي شيبة كذا في النيل . قوله (حديث ابن عباس حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ميمونة (وبه يقول بعض أهل العلم ) قال الشوكاني في النيل : قد ذهب إلى أنه لا بأس بالصلاة على الخمرة الجمهور : قال الترمذي : وبه يقول بعض أهل العلم ، وقد نسبه العراقي إلى الجمهور . انتهى

فحديث (ترب وجهك ... ) لا دلالة فيه إلى ما تريد أن تصل إليه، بل لو أخذ به على ظاهره لما صح السجود إلا على التراب لا على الصلب من الأرض كالحصى ونحوها .

وفيما ذكرنا كفاية للجمع بين الأحاديث التي أوردتها في سؤالك .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني