الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الشركة إذا لم يتفق الشريكان على نسبة الربح

السؤال

أرجو أن يتسع صدر فضيلتكم لسؤالي وذلك لأهميته لي"قمت أنا وشخص آخر بعقد شركة على أساس أن له هو الثلثين وأنا لي الثلث وكانت الفكرة فكرته هو وهو له خبرة أكثر منى في هذا المجال ، وتكلف تأسيس الشركة كمرحلة أولى حوالي 45 ألف جنيه قمت أنا بدفع 38ألف منها أي حوالي 90% وقلت له إن المفروض أن أدفع الثلث فقط لأن دفع هذا المبلغ سوف يضطرني لبيع أسهم كانت لي في البرصة المصرية بخسارة فقال لي سوف أعوضك فيما بعد فبعت الأسهم بخسارة ودفعت المبلغ ، ثم أعلنا عن وجود السلع في الشركة فتقدم أفراد بدفع مقدم لحجز طلباتهم تم دفع تأمين الشركة من هذا المقدم وهو (100 ألف جنية) وقمت باسترداد (8000 جنية ) من هذا المقدم وأصبح المقدم الذي دفعه الأفراد دين على الشركة لهم . وأنا الآن أقول له إما أن يكون لي النصف في الشركة ونشترك في تحمل الدين وإما أن يكون لي الثلث ولا أتحمل شيئا من الدين، فرفض ذلك وقال أنه يجب أن يأخذ 20% مقابل إدارته وخبرته علاوة على أن يظل له الثلثان ولي الثلث (أي له الثلثان + 20% وأنا الباقي ) . فما رأي الشرع في ذلك وهل يحق له أن يأخذ مقابل الإدارة علما بأنني متواجد غالبا في الشركة معه يدا بيد وأعتبر أنا الذي أقمتها من مالي وهو لم يدفع إلا القليل . وما هو حقي في الإدارة حيث إننا الآن مختلفون . وهل يمكن أن نقول إن أحد الطرفين يشترك بالإدارة والخبرة والآخر برأس المال وماذا تكون نسبة كل منهما في هذه الحالة . أرجو الإفادة من فضيلتكم لأن هذا الموضوع مهم جدا بالنسبة لي . وبماذا تنصح شريكي وتنصحني في هذه المسألة. وشكرا لفضيلتكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالشركة التي نشأت بينكما شركة عنان ، قال ابن قدامة في المغني (7/121): والقسم الخامس: إذا اشترك بدنان بماليهما، وهذه الشركة العنان، وهي شركة متفق عليها " انتهى .

وشركة العنان لا يشترط فيها التساوي في الربح ولا في رأس المال، وإنما يوكل ذلك إلى التراضي والاتفاق بين الشركاء.

والصورة التي تمت بها الشركة بينكما فاسدة لعدم تحديد نسبة الربح لكل منكما عند العقد، والذي يظهر لنا من السؤال أنكما اتفقتما على قدر رأس المال ولم تتفقا على الربح، وفي هذا من الجهالة والغرر الفاحشين ما تفسد به الشركة.

قال ابن مفلح في الفروع: وربح كل شركة على ما شرطا ولو تفاضلا وما لهما سواء, نص عليه. انتهى.

وقال: فإن شرطا لهما أو لأحدهما ربحا مجهولا أو مثل ما شرط فلان لفلان أو معلوما وزيادة درهم أو إلا درهما أو ربح نصفه أو قدر معلوم أو سفرة أو عام أو أهملاه فسد العقد. انتهى .

وإذا فسدت الشركة كان الربح والوضيعة (الخسارة) على قدر ماليهما، ويتقاصان العمل فيما بينهما، فيكون لكل واحد منهما على الآخر أجرة مثله فيما قام به من عمل.

فإن الأصل في الشركات أن تقوم على مقتضى العدل، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لأن الله تعالى قال: وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ {ص:24} .

ومقتضى العدل في الشركات أن يكون الربح والخسارة بين الطرفين حسب نسبة المال المدفوع من كل منهما.

لذا فإنا نرى أن الواجب عليكما الآن هو فض هذه الشركة لفسادها، والمال الموجود يقسم بين الشريكين على حسب رأس المال المدفوع فقط مع تحمل الخسارة إن وجدت بقدر رأس المال المدفوع من كليكما ، ويكون لكل واحد منكما أجرة مثله على الآخر فيما قام به من عمل ، ويحدد قيمة هذه الأجرة أهل الخبرة أو المحاكم المختصة إذا اقتضى الأمر ذلك .

وراجع الفتوى رقم: 62990، 68533.

فإذا أردتما الاستمرار في العلاقة التجارية بعد ذلك كان لكما عقد الشركة من جديد مع تحديد رأس المال والاتفاق على نسبة ربح كل منكما، وتحديد العمل الواجب عليكما، ولمعرفة حكم فرض أجرة لأحد الشريكين مقابل ما يقوم به من عمل زائد على القدر الواجب عليه راجع الفتوى رقم: 59446.

أما بالنسبة لما وعدك به شريكك من تحمله لخسارتك في بيع الأسهم التي اضطررت لبيعها لإكمال رأس مال الشركة، فالراجح فيه ـ والله أعلم ـ هو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي حيث جاء في نص قراره في دورته المنعقدة 1409 هجرية ما يلي: " الوعد: وهو الذي يصدر من الآمر أو المأمور على وجه الانفراد يكون ملزما للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد، ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بتعويض عن الضرر الواقع فعلا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر. " اهـ

وقال القرافي المالكي في الفروق: إن أدخله في سبب يلزم بوعده لزم ، كما قال مالك وابن القاسم وسحنون ، أو وعده مقرونا بذكر سبب. انتهى .

وقال : أما مجرد الوعد فلا يلزم الوفاء به ، بل الوفاء به من مكارم الأخلاق. انتهى .

وبناء على ما رجحناه فإنه يجب على شريكك الذي وعدك أن يعوضك عن خسارتك الفعلية في الأسهم، وذلك رفعا للضرر الذي وقع عليك، ووفاء بالوعد المعلق على سبب ، والذي يلزم صاحبه الوفاء به قضاء كما مر .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني