الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق

السؤال

السؤال: كيف نوفق بين حديث (لاتقوم الساعة إلا على شرار القوم) وحديث (الخير في أمّتي إلى قيام السّاعة) ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الحديث الثاني لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روي بلفظ : الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة . وقد أورده علماء الحديث في كتب الأحاديث الموضوعة؛ كما فعل الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ، والملا علي القاري في المصنوع في معرفة الحديث الموضوع والأسرار الموفوعة في الأخبار الموضوعة ، وقال عنه ابن حجر : لا أعرفه ، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة : لا أصل له .

إلا أن معناه صحيح ، فقد قال السخاوي في المقاصد الحسنة: قال شيخنا ـ يعني ابن حجر العسقلاني ـ : لا أعرفه ولكن معناه صحيح يعني في حديث : لا تزال طائقة من أمتي ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة .اهـ

وليس بين الحديثين تعارض ، فإن الساعة لن تقوم إلا على شرار الخلق ، وقد جاء تفصيل ذلك في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وفيه ذكر الدجال وفيه قال صلى الله عليه وسلم : ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته ، حتى ولو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه . قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال : فيبقى شرار الناس .

والخير الباقي في الأمة إنما يكون قبل هذه الريح التي تقبض أرواح المؤمنين ، ويدل على ذلك حديث عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال . رواه أبو داود وصححه الألباني . وكذلك يدل عليه لفظ : حتى يأتي أمر الله . رواه البخاري ومسلم من حديث المغيرة بن شعبة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ورواه مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنهم جميعاً .

وقال ابن حجر المكي في الفتاوى الحديثية عن حديث : الخير فيَّ وفي أمتي إلى يوم القيامة . كما نقله عنه العجلوني في كشف الخفاء : لم يرد بهذا اللفظ وإنما يدل على معناه الخبر المشهور : لا تزال طائقة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم . وفي لفظ: من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك . وفسر ذلك الأمر بريح لينة يرسلها الله لقبض أرواح المؤمنين، ثم لا يبقى على وجه الأرض إلا شرار أهلها فتقوم الساعة عليهم؛ كما في حديث: لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول: الله الله .اهـ

وقد ورد الجمع بذلك صريحاً عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ ففي صحيح مسلم عن عبد الرحمن بن شماسة المهري قال : كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص فقال عبد الله : لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم ، فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة : يا عقبة اسمع ما يقول عبد الله : فقال عقبة : هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك . فقال عبد الله: أجل، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسها مس الحرير فلا تترك نفساً في قلبه حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني