الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال أهل العلم في حكم طاعة الوالدين إذا أمراه بطلاق زوجته

السؤال

أرجو أن تفتوني فى أمري: العبد لله شاب على خلق، ملتزم ومتمسك بأمور ديني، من أسرة متدينة ومحافظة، مغترب لأكثر من 15 سنة، الوضع الاجتماعى جيد والحمد لله، منذ 10 شهور تعرفت على فتاة ذات دين وخلق وهي من أقاربي رحلت مع أسرتها إلى البلد الذي أقيم فيه وهم يعرفون أسرتي حق المعرفة، أما بالنسبة لي فهي أول مرة أتعرف عليهم ولم أقابلهم من قبل بحكم غربتي الطويلة، ولكني كنت أسمع عنهم مما شجعني إلى أن أتقدم إلى الزواج منها، وبحمد الله تمت الموافقة على الزواج وتم كتب كتابى عليها (تم عقد الزواج) بحضور مجموعة كبيرة من الأصدقاء والمعارف وتم تحديد ليلة الزواج أي ليلة الدخلة فى شهر أبريل المقبل، اتصلت بأسرتي لكى أفرحهم بهذا الخبر بحكم أننى الابن الأكبر وكانوا دائماً يدفعونني لكى أتزوج من أي فتاة أراها مناسبة وهم لا يمانعون فى ذلك، وبالفعل فرحوا بالخبر وخاصة الوالد والوالدة وخاصة أني تزوجت من الأهل فكانت فرحتهم كبيرة، قبل فترة سافرت إلى إحدى الدول بحكم عملي وفى إحدى مكالماتي التلفونية مع أسرتي فإذا بالوالدة تطلب مني أن أراها فأرسلت بحضورها بصحبة أخي والحمد لله اطمئننت على صحة الوالدة ورؤيتها, إلى هذه اللحظة وكل شيء على ما يرام، وفتحت مع الوالدة موضوع زواجي واختيارى لهذه الفتاة وإنهم من الأهل وأمي تعرفهم حق المعرفة وتعرف الفتاة حق المعرفة وهى طيبة وممتازة...... وفجأة فإذا بالوالدة تصارحني بعدم رضاءها عن هذا الزواج، وعندما سألتها عن السبب قالت لي إنها لا تريد لي هذه الزوجة بسبب أن والدة زوجتي كثيرة المشاكل وسط الأهل وإنها امرأة صعبة ولا أحد يحبها, وإنها لا تريد أن تناسبها، وعندما سألتها رأيها عن الفتاة قالت إنها لا ترفض الفتاة كزوجة، ولكنها ترفض أمها وأسرتها، وقالت لي إنها لن ترضى عني إذا استمررت فى هذا الزواج وطلبت مني أن أطلق هذه الفتاة فوراً، بالمناسبة والدتي امرأة حكيمة وطيبة جداً وتحب الخير لكل الناس والكل يشهد لها بذلك، وفى الحقيقة أنا فوجئت من طلب الوالدة وأعرف مدى حبها لي ولإخواني وأخواتي ومدى تضحيتها لنا وأنها تريدنا سعداء ومبسوطين وهذه أمنية كل والدة، طبعا كان ردي للوالدة أنني سوف أفعل ما تريد وأننى لن أتزوج إلا برضاها، لكن أريد منها بعض الوقت بحكم أنني فى الغربة وإجراءات الطلاق تأخذ بعض الوقت (طبعا قلت لها ذلك لكي أعطي لنفسي بعض الوقت لكي أستشير وأسأل أهل العلم فى هذا الأمر، ولكي لا أظلم هذه الفتاة البريئة ولا أ غضب والدتي)، طبعا والدتي سافرت بالسلامة وفى كل مرة أتصل بها تسألنى ماذا فعلت، أبي وإخوتي يوافقون على هذه الزوجة، أكتب إليكم وأتمنى من المولى عز وجل أن أجد عندكم من الإجابة ما تنيرني وأستدل بها فى هذا الأمر... هل أطلق هذه الفتاة وأرضي أمي أم أتمسك بهذه الفتاة كزوجة وأغضب أمي وأحظى بعدم رضاها وعفوها عني، وما حكم الشرع فى هذه الحالة.... الرجاء أفتوني؟ وجراكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اختلف أهل العلم في حكم طاعة الولد لوالديه إذا أمراه أو أحدهما بطلاق زوجته، فمنهم من ذهب إلى أن ذلك لا يلزمه، قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله في الزواجر: ولكن لو كان -الوالد- في غاية الحمق أو سفاهة العقل، فأمر أو نهى ولده بما لا يعد مخالفته فيه في العرف عقوقاً، لا يفسق ولده بمخالفته حينئذ لعذره، وعليه فلو كان متزوجاً بمن يحبها فأمره بطلاقها، ولو لعدم عفتها، فلم يمتثل أمره لا إثم عليه كما سيأتي التصريح به عن أبي ذر رضي الله عنه، لكنه أشار إلى أن الأفضل طلاقها امتثالاً لأمر والده، وعليه يُحمَل الحديث الذي بعده: أن عمر أمر ابنه بطلاق زوجته فأبى، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بطلاقها.

وكذا سائر أوامره التي لا حامل عليها إلا ضعف عقله وسفاهة رأيه، ولو عرضت على أرباب العقول لعدوها أموراً متساهلا فيها، ولرأوا أنه لا إيذاء لمخالفتها، هذا هو الذي يتجه إليه في تقرير ذلك الحد. انتهى.

وقال الإمام ابن رجب في جامع العلوم: وسأل رجل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها فقال: إن كان بر أمه في كل شيء ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فليفعل، وإن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه فيضربها فلا يفعل. انتهى.

ومنهم من ذهب إلى أنه يلزم الولد طاعة والديه في طلاق زوجته، وممن ذهب إلى هذا الإمام السبكي في رسالة صغيرة له في ذلك.

قال الإمام المناوي في فيض القدير: ولو أمر بطلاق زوجته قال جمع: امتثل لخبر الترمذي عن ابن عمر قال: كان تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني بطلاقها فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك فقال: طلقها. قال ابن العربي في شرحه: صح وثبت، وأولُ من أمر ابنه بطلاق امرأته الخليل وكفى به أسوة وقدوة. ومن بر الابن بأبيه أن يكره من كرهه وإن كان له محبا، بيد أن ذلك إذا كان الأب من أهل الدين والصلاح يحب في الله ويبغض فيه، ولم يكن ذا هوى. قال: فإن لم يكن كذلك استحب له فراقها لإرضائه ولم يجب عليه كما يجب في الحالة الأولى، فإن طاعة الأب في الحق من طاعة الله، وبره من بره. انتهى.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: (قوله: طلق امرأتك) هذا دليل صريح يقتضي أنه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها، وإن كان يحبها، فليس ذلك عذراً له في الإمساك، ويلحق بالأب الأم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب. انتهى.

وانظر الفتوى رقم: 1549 ففيها ترجيح عدم وجوب طاعة الوالدين إذا أمرا بطلاق الزوجة.

وعليه.. فتلطف في إقناع والدتك بهذا الزواج، وأن صلاح البنت لا يؤثر عليه أخلاق أمها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني