الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حول سماع ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم لعذاب القبر

السؤال

هناك حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عن اثنين يعذبان: أحدهما بسبب عدم احترازه من البول والآخر لأنه كان يمشي بين الناس بالنميمة، والسؤال هو هل رأى النبي عذابهما أم أخبره الله تعالى بذلك لأنني اختلفت مع صديق حول هذا الموضوع، رأي صديقي هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى العذاب بعينه وكان رأيي أنه لعل الله تعالى اخبره بذلك، وحجته أن البهائم ترى العذاب فكيف يكون نبي الله لا يرى ذلك، هذه حجته، وحجتي أنا أن الحديث لم يذكر رؤية النبي لذلك العذاب فلعل الله أخبره بذلك. وجزاكم الله خيرا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فحديث القبرين اللذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عذاب صاحبيهما حديث متفق عليه أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال ابن عباس: مر النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة، ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين فوضع على كل قبر منهما كسرة، فقيل له: يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم تيبسا أو إلى أن ييبس. وهذا لفظ البخاري، وهو يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بكاءهما وصراخهما من ألم العذاب، ووردت أحاديث أخرى تفيد ذلك أيضا منها: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت: يا ويلها أين يذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعها الإنسان لصعق. رواه البخاري.

ومنها كذلك حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حادت به فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة، قال: كذا كان يقول الجريري، فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا، قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك، فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال رواه مسلم.

فهذه الأحاديث كلها تفيد سماع النبي صلى الله عليه وسلم لعذاب القبر؛ بل وسماع الجن والبهائم وغيرها من مخلوقات الله في هذا الكون له؛ إلا الإنس. وعلل النبي صلى الله عليه وسلم حجبه عنهم خشية أن يصعقوا فلا يطيب لأحدهم عيش ولا يجد طعم لذة، ولا شك أن من يسمعه إنما سمعه بإسماع الله إياه له.

وأما الرؤية فلم يرد عنه صلى الله عليه وسلم -فيما اطلعنا عليه- أنه رأى بعض من يعذبون في قبورهم، والوارد في البهائم إنما هو السماع فحسب، وإن كانت رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لمن يعذب في قبره جائزة عقلا ولا مانع منها شرعا، فقد أطلعه الله وأراه بعض صور عذاب أهل النار؛ كما ثبت في الصحيح من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني مما يكثر أن يقول لأصحابه: هل رأى أحد منكم من رؤيا؟ قال: فيقص عليه من شاء الله أن يقص، وإنه قال ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان، وإنهما ابتعثاني، وإنهما قالا لي: انطلق، وإني انطلقت معهما، وإنا أتينا على رجل مضطجع، وإذا آخر قائم عليه بصخرة، وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان، ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل به مرة الأولى، قال: قلت: لهما سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه، قال: وربما قال: أبو رجاء فيشق، قال: ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى، قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال: وأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات، قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا، قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على نهر حسبت أنه كان يقول أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح، وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيفغر له فاه فيلقمه حجرا، فينطلق يسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فغر له فاه فألقمه حجرا، قال: قلت لهما: ما هذان؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة كأكره ما أنت راء رجلا مرآة فإذا عنده نار يحشها ويسعى حولها، قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا فأتينا على روضة معتمة فيها من كل لون الربيع وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط، قال: قلت لهما: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا فانتهينا إلى روضة عظيمة لم أر روضة قط أعظم منها ولا أحسن! قال: قالا لي: ارق فيها، قال: فارتقينا فيها فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا فيها رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء! قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر، قال: وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن صورة! قال: قالا لي: هذه جنة عدن وهذاك منزلك، قال: فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء، قال: قالا لي: هذاك منزلك، قال: قلت لهما: بارك الله فيكما ذراني فأدخله، قالا: أما الآن فلا وأنت داخله. قال: قلت لهما: فإني قد رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت؟ قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة، وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق، وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني، وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا، وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم، وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة. قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين. وأما القوم الذين كانوا شطرا منهم حسن وشطرا منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم. متفق عليه.

فلا يبعد مع ذلك أن يريه ربه عذاب أصحاب القبور إلا أن ذلك لم يرد فيما وقفنا عليه، وهذا مما لا مجال فيه للرأي والتخمين، وحسب المسلم أن يقف عند النصوص لا يتجاوزها قيد أنملة. نسأل الله تعالى أن يوفقنا للحق ويهدينا إليه، وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منا وما بطن. وللاستزادة انظر الفتويين رقم: 66742، 71300.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني