الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إيضاحات حول زواج عائشة رضي الله عنها

السؤال

يا شيخنا الكريم.. افتح لي قلبك بعض الشيء وكن صبورا معي، الفرق بين المسلمين وغيرهم هو أن المسلم يتدبر بعقله قبل قلبه وقد أمرنا الله بالتدبر قبل أن نكون مؤمنين، الموضوع باختصار شديد.. صحيح مسلم والبخاري نقلوا لنا روايات عن السيدة عائشة توضح أنها تزوجت الرسول عليه الصلاة والسلام وهي في السادس ودخل عليها في التاسعة من عمرها، وهذا الكلام يخالف الأحداث والتاريخ الإسلامي من وقت الهجرة إلى عام 73 هجري وقت وفاة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، المعروف أن السيدة أسماء بنت أبي بكر مولودة قبل عام الهجرة بـ 27 عاما وهي أكبر من أختها عائشة بعشرة أعوام، وكذلك توفي ابنها عبد الله بن الزبير عام 73 هجري وكان عمرها 100 عام.... وأي إنكار في هذه الأحداث يفسد تاريخ الإسلام بل يُدمر جميع أبحاث وأقوال المسلمين إلى وقتنا هذا (أرجو لو كان هناك خطأ في التواريخ التي ذكرتها تصحيحها للأهمية)، علماً بأنني أعلم علم اليقين لو سألت حضرتك عن تاريخ مولد السيدة أسماء بنت أبي بكر وتاريخ وفاتها فستذكر لي ما ذكرته لك سابقاً لأن التاريخ الإسلامي يقر بذلك، لذلك يتضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة وعمرها 17 عاما وليس 6 أو 7 أعوام، ولو نظرنا لحادثة الإفك والتي كانت في العام الثاني الهجري نجد أن موقف السيدة عائشة يدل على أنها أكبر من طلفة عمرها ثمانية أعوام لذلك: فأنا لا أشكك في صحيح مسلم أو البخاري لأنني لم أخض في أحاديث الرسول.. أو أنفي حديث.. حاشا لله، بل أنا أعترض على روايات منقولة عن السيدة عائشة وهي روايات قابلة للخطأ، فكلنا غير معصومين... وقد ذكر من قبل الإمام القرطبي أن الذبيح هو إسحاق وليس إسماعيل وقد نقل لنا روايات بعض الصحابة.... فهل وجب علينا اتباع القرطبي كون أنه القرطبي، علماً بأنه نقل عن الصحابة روايات في هذا الشأن؟ إذاً استخدمنا عقولنا لنفرق بين ما جاء به القرطبي وعن ما جاء بالقرآن، قال تعالى: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله (الشورى: 10)، قال تعالى: فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر (النساء:59)، وقال رسولنا الكريم: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي. وطالما أن أمر السيدة عائشة خرج عن نطاق (القرآن والأحاديث) فوجب علينا الرجوع لأولي العلم.. وطالما أن هنا تضاربا في التواريخ والأحداث المنقولة عن أولي العلم.. فإذن نتدبر بعقولنا وهذا لا يقلل من شأن أولي الأمر.. والدليل على ذلك مراسلتي لك، أرجو أن لا تفهم من كلامي أنني أبحث عن مخرج لأمر زواج السيدة عائشة.. فملايين المسلمين تحدثوا في هذا الأمر، ولكنني أتحدث عن تاريخ إسلامي متضارب الأحداث؟ أشكرك على سعة صدرك، وجزاك الله كل خير، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن عائشة رضي الله عنها مع جلالة قدرها وكبير فضلها وغزير علمها لا ندعي لها العصمة بل قد تخطئ كغيرها من البشر، لأن العصمة ليست لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل يؤخذ من قوله ويرد إلا هو, و ظاهر كلام المحدثين وأصحاب السير أن عائشة ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، وتزويجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنين، وقيل سبع، ودخل بها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة. ودليل ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج فوعكت فتمزق شعري، فوفى جميمة، فأتتني أمي أم رومان وإني لفي أرجوحة ومعي صواحب لي فصرخت بي فأتيتها، لا أدري ما تريد بي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت فقلن: على الخير والبركة وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن وأصلحن من شأني فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين.

وفي صحيح مسلم عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع، سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين ولُعَبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة.

وقد اتفق على هذا المعنى الشيخان في صحيحيهما اللذين هما أصح الكتب, ولم نجد أحداً من شراح الحديث اعترض على هذا التاريخ ولا نقل ما يخالفه.

وأما قضية الإفك فقد كانت في السنة السادسة من الهجرة كما في صحيح البخاري, وقد نقله ابن كثير في البداية عنه ولم يعترضه, وإنما دعمه بروايات أخرى, وكان عمرها آنذاك حوالي خمس عشرة سنة، ولم نر من ذكر عنها أنها كانت بنت ثماني سنوات.

وأما أسماء فقد ذكر ابن هبة الله في تاريخ مدينة دمشق أنها بقيت مائة سنة حتى عميت وماتت بعد قتل عبد الله بن الزبير سنة ثلاث وسبعين بعد ابنها بليال, وذكر هو وابن عبد البر في الاستيعاب أنه قال ابن أبي الزناد: وكانت أكبر من عائشة بعشر سنين.

ونقل ابن هبة الله أيضاً عن أبي نعيم أنها ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة وقبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنين وولدت لأبيها الصديق يوم ولدت وله أحد وعشرون سنة توفيت أسماء سنة ثلاث وسبعين بمكة بعد قتل ابنها عبد الله بن الزبير بأيام ولها مائة سنة، وقال الذهبي في السير: إنها ماتت بعد ابنها عبد الله بشهرين أو نحو ذلك ولها قريب من مئة عام.... وقال: كانت أسن من عائشة بسنوات..

ثم نقل الذهبي قول ابن أبي الزناد كانت أكبر من عائشة بعشر سنين، ثم قال: قلت: فعلى هذا يكون عمرها إحدى وتسعين سنة. وأما هشام بن عروة فقال: عاشت مئة سنة ولم يسقط لها سن.

وبناء على استنتاج الذهبي من كون عمرها إحدى وتسعين سنة يتضح أن الذهبي يقر أن عائشة ولدت قبل الهجرة بحوالي ثمان سنوات لأنه بنى على ذلك تحديد عمر أسماء ولم يعترض ذلك بكون أسماء نقل بعضهم أنها عمرت مائة سنة، ثم إن ما في الصحيحين من الروايات التاريخية يتعين تقديمه على ما في سواهما ولا سيما إذا لم نجد من نقل الخلاف عن السلف لما قالت عائشة, ومن هؤلاء عروة وهشام ابنه فقد نقلا كلامها ولم يعترضاه مع أن من أسباب الترجيح كون الراوي صاحب القصة, وعائشة حدثت عن نفسها بما ذكر فلزم تصديقها، وأما ما ذكر من عمر أسماء فلم ينقل فيه إسناد صحيح، وقد تطرقه الاحتمال المؤدي لسقوط الاحتجاج والاستدلال به.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني