الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رد شبهة حول حديث "هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي"

السؤال

قال أحد الدعاة إن الله خلق الناس ثم قال هذه المجموعة للجنة ولا أبالي و هذه للنار و لا أبالي و أن من كتبت عليه الشقاوة أزلا سوف يدخل النار لا محالة و لواجتمع من فى الأرض جميعا و أن هذا هو العدل المطلق فكيف يكون عدل أن يدخل النار من خلق و هو مكتوب عليه دخولها أزلا . و قال إن الله هو الرحمن الرحيم وسعت رحمته كل شىء و لكن أكثر الناس سيكونون من أهل النار و ليس العكس . أرجو المعذرة و لكن الكلام أربكني . أرجو التوضيح ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:‏

فاعلم أيها السائل الكريم وفقنا الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح أن الله عدل حكيم، ‏وأن قدم الإسلام لا تثبت إلا على أرض التسليم والاستسلام، وأن الخوض في القدر مزلة ‏أقدام، ومضلة أفهام، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة يتجادلون في القدر، ‏فغضب صلى الله عليه وسلم حتى كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: "أبهذا أمرتم؟ أن ‏تضربوا كتاب الله عز وجل بعضه ببعض، إنما ضلت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم ‏مما هنا في شيء، انظروا إلى الذي أمرتم به فاعملوا به، وانظروا الذي نهيتم عنه فانتهوا" ‏رواه عبد الله بن أحمد في السنة.
وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا ذكر القدر فأمسكوا" ‏رواه الطبراني وحسنه المباركفورى في تحفة الأحوذي، وما ذلك إلا لخفاء في أمر القدر، ‏وصعوبة في فهمه عند أكثر الناس، ويوم خاض الناس في القدر وعصوا أمره صلى الله عليه ‏وسلم تفرقوا شيعاً وأحزاباً.
وبعد هذه المقدمة التي لم نرد منها إلا بيان خطورة الخوض في ‏القدر، نبين المذهب الحق الذي عليه سادات الأمة من الصحابة، وأئمة الهدى في القرون ‏الثلاثة المفضلة، فنقول وبالله التوفيق، مراتب القدر أربعة:‏
الأولى: العلم، ومعناه: إحاطة علم الله بكل شيء، فالله يعلم ما كان وما يكون وما لم ‏يكن لو كان كيف يكون.‏
الثانية المشيئة، ومعناها: أن كل ما يجري في الكون وما جرى هو بمشيئة الله سبحانه، فلا ‏يخرج شيء عن إرادته ومشيئته.‏
الثالثة: الكتابة، بمعنى أن الله كتب ما قضاه وقدره في اللوح المحفوظ، قال تعالى: (ما فرطنا ‏في الكتاب من شيء) [الأنعام:38] وقال صلى الله عليه وسلم: " أول ما خلق الله القلم، ‏فقال له: اكتب، قال رب، وما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء" رواه الترمذي ‏وصححه.‏
الرابعة: الخلق، فالله سبحانه وتعالى خالق كل شيء من الخير والشر. قال تعالى: ( ذلكم ‏الله ربكم، لا إله إلا هو، خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل) ‏‏[الأنعام:102] فإذا تبين لك ذلك كان لزاماً أن تنزل على مراتب القدر ما أشكل عليك ‏فهمه من قوله صلى الله عليه وسلم: " ثم خلق الله آدم، ثم خلق الخلق من ظهره، ثم قال: ‏هؤلاء للجنة ولا أبالي، وهؤلاء للنار ولا أبالي" . رواه الحاكم وقال صحيح. فنقول ‏وبالله التوفيق: إن الحديث متعلق بمرتبة العلم، فالله عز وجل قد علم عمل كل طائفة، فقال عن طائفة ‏أهل الإيمان: هؤلاء للجنة ولا أبالي، وقال عن طائفة أهل الكفر: هؤلاء للنار ولا أبالي.
ولا يشعر أحد من الطائعين أو العاصين أنه مجبور على فعل من الأفعال ، بل كل منهم يفعل باختياره وإرادته . وما كتب عليهم شيء مجهول لهم ، لا يعرفه واحد منهم ، وإنما يعرف الخير والشر الذي أمامه ، فمنهم من يتقي الله ومنهم من يعصيه. كل منهم يفعل ما يفعل مختاراً، مع أمرهم جميعاً بالخير، ونهيهم عن الشر والكفر، وتكافؤ الفرص أمام الفريقين في المؤاخذة والعذر.
وليس معنى هذا أن أعمالهم خارجة عن مشيئة الله وإرادته، بل هي بمشيئته سبحانه، فمن ‏شاء الله هدايته للخير هداه وأعانه عليه، ومن شاء إضلاله منعه التوفيق فلم يعنه ولم يثبته. وليس ‏في ترك إعانة من لم يعنه ظلم لهم، إذ لم يمنعهم حقاً لهم.
والمؤمن يوقن بأن الله تعالى غني عن خلقه ، وأنه عدل رحيم لا يظلمهم مثقال ذرة ، بل هو سبحانه ينعم عليهم ويتفضل ، وهم يتبغضون إليه بالمعاصي ، خيره إليهم نازل ، وشرهم إليه صاعد . فكيف يظن العبد أن الله تعالى سيظلمه ؟!
فإن فهمت هذا فقد انحلت لك ‏عقدة القدر، وإلا فيكفيك قوله صلى الله عليه وسلم "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" متفق ‏عليه.‏
وكِلْ علم ما لم تعلمه إلى عالمه، واشتغل بما كلفك الله به، ودع ما لم تكلف به. والله ‏أعلم.‏
‏ ‏

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني