الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إنشاء صندوق بهدف المساعدة في دفع دية القتل

السؤال

الإخوة الأفاضل
لقد أقرت قبيلتي أو عشيرتي إنشاء صندوق للقبيلة يضم كل من بلغ عمره 18 سنة وذلك بأن يدفع كل مشترك نصف دينار شهريا مع إعداد لائحة لهذا الصندوق تحدد شروط الاشتراك وبنود الدفع عن المشترك في الحالات التالية
يدفع الصندوق مبلغ الدية عن كل مشترك قام بقتل شخص من قبيلة أخرى غير قبيلتي وذلك عند قبول أهل الدم بالدية مهما كان نوع القتل سواء خطأ أو عمدا شرط قبول أهل المقتول بالدية حيث إن مبالغ الدية عندنا كبيرة وليس في الإمكان أن تسدد من قبل فرد أو عائلة مع ملاحظة أن بعض حكماء القبيلة طالب بان يؤخذ ثلث مبلغ الدية عندما يكون المقتول من قبيلتنا من أسرته ورفض البعض بحجة أن الدية حق لأهل الميت ولا يجوز أخذه ( نرجو إعطاء فتوى بذلك بشأن أخذ جزء من الدية ووضعها بالصندوق )علما أن هذا الصندوق لديه لائحة مقروءة وفي يسر كل مشترك الاطلاع عليها ولبس لزاما على المشترك الاشتراك بها وللصندوق إدارة ولجان محاسبة ومجلس للقبيلة يحدد مسار الصندوق وإضافة أو حذف أو تعديل بنود اللائحة ، وهل في الإمكان أن يعمم نموذج يوصي به كل مشترك بأخذ ثلث مبلغ الدية منه عند وفاته بسبب قتل من جهة أو قبيلة أخرى وطلب منها الدية ثم إن هذا الصندوق لديه الآن مبالغ كبيرة بالمصارف فهل يجب أن تخرج الزكاة عنها وكيف؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالأصل أن دية الخطأ وشبه العمد تكون على العاقلة. ففي سنن النسائي وغيره عن المغيرة بن شعبة: أن امرأتين كانتا تحت رجل من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فأسقطت فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: كيف ندي من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أسجع كسجع الأعراب فقضى بالغرة على عاقلة المرأة. قال الشيخ الألباني: صحيح.

وترجم النووي في شرحه لصحيح مسلم قال: باب دية الجنين ووجوب الدية في قتل الخطأ وشبه العمد على عاقلة الجاني.

وأما دية العمد فقد أجمع أهل العلم على أنها تجب في مال القاتل، ولا تتحملها العاقلة. قال ابن قدامة رحمه الله في المغني بعد حكاية هذا الإجماع: وهذا قضية الأصل، وهو أن بدل المتلف، يجب على المتلف، وأرش الجناية على الجاني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يجني جان إلا على نفسه. وقال لبعض أصحابه: حين رأى معه ولده: ابنك هذا؟ قال: نعم، قال: أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه. ولأن موجب الجناية أثر فعل الجاني، فيجب أن يختص بضررها، كما يختص بنفعها، فإنه لو كسب كان كسبه له دون غيره. وقد ثبت حكم ذلك في سائر الجنايات والأكساب، وإنما خولف هذا الأصل في القتل المعذور فيه، لكثرة الواجب، وعجز الجاني في الغالب عن تحمله، مع وجوب الكفارة عليه، وقيام عذره، تخفيفا عنه، ورفقا به، والعامد لا عذر له، فلا يستحق التخفيف، ولا يوجد فيه المعنى المقتضي للمواساة في الخطأ. انتهى.

هذا من حيث أصل وجوب الدية، ولكن القبيلة إذا تطوعت بمساعدة القاتل عمدا في الدية التي لزمته فلا حرج في ذلك، بل هو من المواساة والمعروف الذي يؤجر الإنسان عليه، إذا قصد به وجه الله، فقد قال الله تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ {البقرة:215}، وقال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ {الزلزلة:7}.

ولكن هذا التطوع ينبغي أن لا يكون في بند ملزم للقبيلة بذلك حتى لا يكون فيه تشجيع على قتل العمد، والحاصل أنه لا مانع من إنشاء الصندوق المذكور، إلا أن أخذ أي شيء من الدية من المجني عليهم لا يجوز أن يكون جبرا عليهم. لأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب من نفسه، كما في الحديث الشريف.

وفيما يخص زكاة أموال هذا الصندوق فلك أن تراجع فيها فتوانا رقم: 35382.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني