الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يقبل قول الزوج إذا ادعى بعد العدة أنه راجع امرأته

السؤال

رجل طلق زوجته بطلقة واحدة , أمام شاهدين وكان في المدينة التي تسكن فيها زوجته , فانتهت العدة ثلاثة قروء, ثم سافر إلى بلاد أخرى , فأرسل رجلا لا ليخبر الزوجة بل ليخبر أحد الشهود الذين شهدا الطلاق بأن الزوج أرجع عصمة الزواج أي ( قال رجعت ) وكتب كتابا الى زوجته ليخبرها عن ذلك, فلما سئلت الزوجة قالت : مدة العدة انتهت ولم يصلني أي خطاب خلال العدة ولا بعد العدة , فأنا حرة وأنهيت عدتي ولله الحمد أستطيع أن أنكح من أشاء, لأن الرجل كان مقيما في بلدي وفي مدينة واحدة ونحن في أسرة واحدة إذا كان له رغبة في أو أرجع العصمة كان بإمكانه أن يتصل بي أو يرسل رسولا أو شيوخا فلم يفعل , وانتهت العدة ولم أتلق أي شيئ أثناء العدة , فما رأي فضيلتكم ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن المرأة إذا كانت طلقت من زوجها طلقة واحدة وكانت هذه الطلقة هي الأولى أوالثانية فإنه يجوز للزوج أن يراجعها قبل انتهاء العدة ولو لم يشهد على رجعتها أحدا، وأما إذا انتهت العدة قبل مراجعتها فإنها لا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد، هذا إذا كانت هذه الطلقة هي الطلقة الأولى أو الثانية ، أما إذا كانت الطلقة الثالثة فإنها لا تحل له حتى تتزوج برجل آخر، وجمهور الفقهاء يستحبون الإشهاد على الرجعة ولا يوجبون ذلك وحملوا الأمر في قوله تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ {الطلاق:2 } حملوا هذا الأمر ( وأشهدوا ) على الندب، وبناء على ذلك فالإشهاد ليس شرطا في ثبوت الرجعة، ومن العلماء من حمل الأمر على الوجوب ولكن الصواب الأول .

وأما من ادعى بعد انتهاء العدة أنه ارتجع مطلقته فإن قامت البينة بارتجاعه إياها زمن العدة عمل على ذلك، وإن لم تقم البينة بذلك فلا يعتبر قوله عند الجمهور، ففي الموسوعة الفقهية : فإن ادعى بعد انقضاء عدتها أنه كان راجعها في عدتها فأنكرت فالقول قولها، لأنه ادعى مراجعتها في زمن لا يملك مراجعتها فيه، وإذا ادعى الزوج بعد انقضاء العدة أنه قد راجع مطلقته في أثناء العدة وأقام بينة على ذلك صحت رجعته، قال السرخسي: وإذا قال زوج المعتدة لها: قد راجعتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتي، فالقول قولها عند أبي حنيفة ولا تثبت الرجعة، وعندهما القول قول الزوج والرجعة صحيحة، لأنها صادفت العدة، فإن عدتها باقية ما لم تخبر بالانقضاء، وقد سبقت الرجعة خبرها بالانقضاء فصحت الرجعة وسقطت العدة فإنها أخبرت بالانقضاء بعد سقوط العدة وليس لها ولاية الإخبار بعد سقوط العدة ولو سكتت ساعة ثم أخبرت ولأنها صارت متهمة في الإخبار بالانقضاء بعد رجعة الزوج فلا يقبل خبرها، كما لو قال الموكل للوكيل عزلتك فقال الوكيل كنت بعته، وأبو حنيفة يقول: الرجعة صادفت حال انقضاء العدة فلا تصح لأن انقضاء العدة ليس بعدة مطلقا، وشرط الرجعة أن تكون في عدة مطلقة، وفي المدونة أنه قيل لابن القاسم: أرأيت إذا قال: قد كنت راجعتك أمس وهي في العدة بعد أيصدق الزوج أم لا .؟ قال: نعم هو مصدق، قلت أرأيت إذا قال قد كنت راجعتك أمس وقد انقضت عدتها أيصدق أم لا ؟ قال: لا يصدق، قلت أرأيت إذا قال قد كنت راجعتك في عدتك وهذا بعد ما انقضت العدة وأكذبته المرأة فقالت: ما راجعتني أيكون له عليها اليمين في قول مالك ؟ قال: قال مالك: إنه لا يصدق عليها إلا ببينة . وإذا قال الرجل لامرأته بعد انقضاء العدة قد كنت راجعتك في العدة فليس ذلك له وإن صدقته المرأة لأنها قد بانت منه في الظاهر، وادعى عليها ما لا يثبت له إلا ببينة، وتتهم في إقرارها له بالمراجعة على تزويجه بلا صداق ولا ولي وذلك ما لا يجوز لها ولا له أن يتزوجها بلا ولي ولا صداق، قلت: فإن أقام بينة على إقراره قبل انقضاء العدة، أن قد جامعها قبل انقضاء العدة وكان مجيئه بالشهود بعد انقضاء العدة ؟ قال: كانت هذه رجعة، وكان مثل قوله قد راجعتها إذا ادعى أن وطأه إياها أراد به الرجعة . قلت: أرأيت إن ارتجع ولم يشهد أتكون رجعته ويشهد فيما يستقبل في قول مالك ؟ قال: نعم، قال مالك: إذا كان إنما ارتجع في العدة وأشهد في العدة، قلت أرأيت إن ارتجع في العدة وأشهد بعد انقضاء العدة وصدقته المرأة ؟ قال: لا يقبل قوله إلا أن يكون يخلو بها ويبيت عندها . أهــ .

وفي الأم للشافعي : وإذا قال الرجل وامرأته في العدة قد راجعتها اليوم أو أمس أو قبله في العدة وأنكرت فالقول قوله إذا كان له أن يراجعها في العدة فأخبر أن قد فعل بالأمس كان كابتدائه الفعل الآن، ولو قال بعد مضي العدة قد راجعتك في العدة وأنكرت كان القول قولها وعليه البينة أنه قد راجعها وهي في العدة، وإذا مضت العدة فقال قد كنت راجعتك في العدة وصدقته فالرجعة ثابتة، فإن كذبته بعد التصديق أو كذبته قبل التصديق ثم صدقته كانت الرجعة ثابتة .

وفي المغني لابن قدامة : وإن قال بعد انقضاء عدتها: كنت راجعتك في عدتك فأنكرته فالقول قولها بإجماعهم لأنه ادعاها في زمن لا يملكها والأصل عدمها وحصول البينونة .

وفي حاشية الدسوقي على شرح الدردير: أن الزوج إذا ادعى بعد انقضاء العدة أنه كان راجع زوجته في العدة من غير بينة ولا مصدق مما يأتي فإنه لا يصدق في ذلك وقد بانت منه .

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني