الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الرجوع على من ترك الإنفاق الواجب لامرأته وأولاده

السؤال

أحببت استشارتكم عن دعوى رفعها زوجي للمحكمة الشرعية بخصوص ( بناته القصر ) وأريد منكم تنبيهي فيما عليَّ فعله ، وهذا الموضوع أمامكم باختصار . ولا خاب من استشاركم :
أولاً : تزوج علي زوجي بثانية في العام 1420 هـ أي قبل 7 سنوات ومنذ تلك الفتره حتى يومنا هذا لم ينفق علي ولا على بناته القاصرتين ( 24 _ 14 ) ريالاً واحدا ، وفي العام 1423هـ طلقني طلاقا نهائيا ولم آخذ منه أيضاَ نفقة لثلاث سنوات اتقاء للمشاكل علماً بأنه يزور بناته عندي في منزله الذي أقطن فيه طيلة تلك الفترة بدون امتناع مني، علماً بأنه رجل مقتدر مادياً ويسكن في منزل آخر مع زوجته الثانية . وبرغم زيارته لبناته لا يعطيهم ريالا واحدا فقط يأكل ويشرب عندى ويخرج وهكذا دواليك، ولا يعلم عنهن شيئاً هل هن يحتجن من متطلبات الحياة شيئاَ وبناته لا يطلبن منه شيئاً . وأنا منذ 1420 هـ أصرف عليهن بكل ما أملك بعت جميع ما أملك من ذهب وأموال بهدف توفير حياة سعيدة لهن . برغم من أن ابنتي الصغيرة 14 عاماً , كنت أراجع بها المستشفيات خارج المحافظة وتحديداً في الطائف ( من مرض السهو ) ومنذ أن كانت في عمر 4 سنوات وهي تعاني منه وهو لا يعلم عنها شيئاً وهو حقيقة يعلم بمرضها لكن لا يهمه، حتى شفيت ولله الحمد من هذا المرض الذي أرهقني كثيراَ . وهي منذ دخولها المدرسة وهي تأخذ الأول على زميلاتها وأنا الوحيدة من يعتني بها وهي الآن في الصف ( الثالث متوسط ) بدخول العام الجديد . أما البنت الثانية والكبيرة 24 عاماً فتدرس الآن في ثاني كلية ولو نسأل أباها في أي صف هي - لا يدري عنها شيئاَ .
وضعي الحالي : مطلقة ويتيمة الأب والأم وأقطن في هذه المحافظة التى فيها زوجي منذ 35 عاماَ - وإخواني وأخواتي يقطنون في محافظة بعيدة عني ولا أزورهم إلا في الأعياد . وقبل شهر أخرجني زوجي من منزله الذي كنت أسكن فيه مع أولادي وبناتي بقوة السلاح ، وإتقاء للمشاكل خرجت واستأجرت منزلا يدفع إيجاره ابني الكبير . لكن طليقي هذا ما زال يطاردني حتى بعد خروجي من منزله فتقدم بشكوى يريد بناته مني .
استفساراتي كما يلي :
- هل أطلب من طليقي دفع نفقتي لثلاث سنوات وأنا على ذمته؟ من عام 20 - 23 , وكذلك أطلب منه دفع مصروف بناته منذ 1420 هـ حتى يومنا هذا ؟
- وأسأل هل من حقي بعد تلك المطالبات المادية أن أحتفظ ببناتي لهذه الأسباب :
1 ـ كوني مطلقة وغير متزوجة .2 ـ كوني مستقيمة ولله الحمد يشهد بهذا الجميع .3 ـ كوني أقطن في هذه المحافظة منذ 35 عاماً . وليس عندي رغبة بالرجوع لإخواني وأخواتي بعد هذا العمر كي لا أكون عالة عليهم .
4 ـ لكوني الوحيدة في المنزل مع البنتين وابن واحد والبقية من يدرس بالجامعة بعيداً عني ومنهم من هو موظف خارج المحافظة، أما ابني البكر والمتزوج والذي يدفع إيجار المنزل الذي استأجرته يسكن مع والده ولا يزورني مطلقاً .
5 ـ كوني كبيرة في السن وأعاني من مشاكل صحية مثل الرومتيزم والصداع والالتهابات الجلدية ( حساسية ) واعتمد على بناتي في نظافة المنزل والطبخ لعدم وجود خادمة تساعدني .
6 ـ عندي تقارير للبنت الصغرى - تثبت مراجعتي بها للمستشفيات بالطائف طيلة تلك الفترة حتى شفائها من مرض السهو . 7 ـ أنا مشتركة في الضمان الاجتماعي منذ سنه ويدفع لي 800 ريال شهرياً .
أخيراً أريد منكم أن تعطوني نصائح فيما علي فعله ؟ولكم جزيل الشكر ولا خاب من استشاركم .
الجلسة في يوم السبت 16/8/1427 هـ . محكمة رنية

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمما تظاهرت عليه الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع وجوب نفقه الزوجات على الأزواج، والأولاد على آبائهم .

يقول الله تعالى: وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:233}. وقال تعالى: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ {الطلاق:7}. وروى البخاري أن هند بنت عتبة قالت يا رسول الله: إن أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال عليه الصلاة والسلام: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف. وقد أجمع العلماء على وجوب نفقة الزوجة على زوجها إذا كان بالغا، ولم تكن هي ناشزا، وعلى أولاده الذين لا مال لهم. يقول ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه العلم أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم. وهذا كله فيما إذا كانت النفقة حاضرة، وأما ما مضى زمنه ولم يكن الزوج قد أنفق فيه وهو موسر بها، فالذي عليه جمهور أهل العلم أن نفقة الزوجة لا تسقط عنه.

قال ابن قدامة في المغني: ومن ترك الإنفاق الواجب لامرأته مدة لم يسقط بذلك، وكانت دينا في ذمته، سواء تركها لعذر أو غير عذر في أظهر الروايتين. وهذا قول الحسن ومالك والشافعي وإسحاق وابن المنذر. والرواية الأخرى: تسقط نفقتها ما لم يكن الحاكم قد فرضها لها، وهذا مذهب أبي حنيفة... ولنا أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم يأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى. ولأنها حق يجب مع اليسار والإعسار فلم يسقط بمضي الزمان كأجرة العقار والديون. قال ابن المنذر: هذه نفقة وجبت بالكتاب والسنة والإجماع، ولا يزول ما وجب بهذه الحجج إلا بمثلها. ولأنها عوض واجب فأشبهت الأجرة. وفارق نفقة الأقارب فإنها صلة يعتبر فيها اليسار من المنفق والإعسار ممن تجب له، وجبت لتزجية الحال، فإذا مضى زمنها استغنى عنها، فأشبه ما لو استغنى عنها بيساره.

وعليه، فمن حقك أن تطالبي مطلقك بنفقتك للسنوات الثلاث التي لم ينفق فيها وأنت في عصمته.

هذا بالنسبة لنفقتك أنت، أما نفقة الأولاد إذا مضى زمنها، فإنها محل نزاع بين أهل العلم، والذي مال إليه بعضهم هو أنها تسقط بمضي زمنها ما لم يكن قد حُكم بها، أو يكون المنفِق عليهم غيرَ متبرع.

قال الشيخ خليل بن إسحاق -رحمه الله تعالى-: وتسقط [يعني نفقة الأولاد] عن الموسر بمضي الزمن إلا لقضية أو ينفق غير متبرع.

وقال الدسوقي: فإذا ادعى المنفَق عليه أن الإنفاق صلة، وادعى المنفق أنه لم يقصد صلة، بل قصد الرجوع أو لم يقصد شيئا، فالقول قول المنفق بيمين... فيحلف أنه أنفق ليرجع.. ومحل حلفه ما لم يكن أشهد أنه حين الإنفاق أنفق ليرجع، وإلا فلا يمين. (2/518).

فإذا لم يكن قد حُكم لأولادك بالنفقة، ولم تكوني قد أنفقت عليهم بنية الرجوع على أبيهم فليس لك رجوع عليه بما أنفقتِه عليهم. وإن كان قد حُكم لهم بها، أو أنفقت عليهم بنية الرجوع، فلك أن ترجعي على أبيهم بما صرفتِه في النفقة عليهم إذا حلفت على ذلك أو شهدت لك به بينة.

وأخيرا ننصحك بمراجعة المحاكم الشرعية في بلدك حتى تأخذ لك حقك من هذا الرجل، ولكي تقرر حكم حضانة البنات.

وعلى العموم فالمسائل التي فيها طرف منازع لا يفيد فيها إلا حكم القاضي. نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني