الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عقب الأذان بصوت عال

السؤال

يوجد عندنا في مسجد القرية مؤذن عندما ينتهي من الأذان يقول في الميكرفون وبصوت عال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة إلى آخره فقال له أحد الناس هذا خطأ ونشب جدال في المسجد فما رأي الدين في هذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الانتهاء من الأذان سنة مستحبة لما روى الترمذي وأبو داود عن عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن، ثم صلوا علي، فإن من صلى صلاة صلى الله عليه وسلم بها عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو، ومن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة. هذه رواية الترمذي، والحديث صحيح كما ذكر الألباني.

وأما رفع الصوت بها فقد ذكر بعض أهل العلم أنه مكروه، فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، عن الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ الْأَفْضَلُ فِيهَا السِرًّ أَمْ الجهر فأجاب:

الصَّلَاةُ عَلَيْهِ هِيَ دُعَاءٌ مِنْ الْأَدْعِيَةِ، إلى أن قال: وَالسُّنَّةُ فِي الدُّعَاءِ كُلِّهِ الْمُخَافَتَةُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ سَبَبٌ يُشْرَعُ لَهُ الْجَهْرُ ثم قال بعد سرد الأدلة على ما ذكر وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ، مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ، فَكُلُّهُمْ يَأْمُرُونَ الْعَبْدَ إذَا دَعَا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا يَدْعُو، لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ الدُّعَاءِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ، كَالصَّلَاةِ التَّامَّةِ، وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، أَوْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، حَتَّى عَقِيبَ التَّلْبِيَةِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ، ثُمَّ عَقِيبَ ذَلِكَ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَدْعُو سِرًّا، وَكَذَلِكَ بَيْنَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ إذَا ذَكَرَ اللَّهَ، وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ وَإِنْ جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ لَا يَجْهَرُ بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم خَارِجَ الصَّلَاةِ مِثْلَ أَنْ يَذْكُرَ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَحِبَّ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَفْعَ الصَّوْتِ بِذَلِكَ، فَقَائِلُ ذَلِكَ مُخْطِئٌ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ بِالصَّلَاةِ أَوْ الرِّضَى الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْمُؤَذِّنِينَ قُدَّامَ بَعْضِ الْخُطَبَاءِ فِي الْجُمَعِ، فَهَذَا مَكْرُوهٌ أَوْ مُحَرَّمٌ، بِاتِّفَاقِ الْأُمَّةِ، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يُصَلِّي عَلَيْهِ سِرًّا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: يَسْكُتُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى.

ومن أهل العلم من قيد الكراهة بالمبالغة برفع الصوت فإن رفع من غير مبالغة فلا كراهة في ذلك فقد سئل ابن حجر الهيتمي عن رفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فأجاب:

أَمَّا حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ. وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ وَشَرْحِي لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا رَفْعُ الصَّوْتِ بِلَا مُبَالَغَةٍ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ { إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ } الْآيَةَ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ إلى أن قال وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ مِنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ عِنْدَ تَصْلِيَتِهِ بِجَامِعِ طَلَبِ الصَّلَاةِ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا يُطْلَبُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهَا فِي { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِهَا لَكِنْ لَا يُبَالِغُ فِي الرَّفْعِ مُبَالَغَةً فَاحِشَةً إلى أن قال وَخَرَجَ بِلَا مُبَالَغَةٍ الرَّفْعُ بِالْمُبَالَغَةِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ انتهى.

فتحصل من هذا أن المبالغة برفع الصوت بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم غير مشروعة بلا خلاف، وأن الأولى أن يصلي سرًا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني