الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يشترط في الخليفة أن يكون قرشيا

السؤال

هل صحيح أن أمير المسلمين أو الخليفة، يجب أن يكون قرشياً، وهل الخلفاء العثمانيون مذنبون لأنهم لم يولوا قرشياً؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجماهير أهل العلم على أن خليفة المسلمين يجب أن يكون من قريش، بل حكى غير واحد من أهل العلم الإجماع على ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش. رواه أحمد، وقوله صلى الله عليه وسلم: الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم. متفق عليه.

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عند هذا الحديث: هذا الحديث وأشباهه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك من بعدهم. انتهى.

وقال الماوردي في الأحكام السلطانية في شروط الخليفة: (الشرط السابع): النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه، ولا اعتبار بضرار حين شذ فجوزها في جميع الناس، لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه احتج يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة لما بايعوا سعد بن عبادة عليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: الأئمة من قريش. فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا منا أمير ومنكم أمير تسليما لروايته وتصديقاً لخبره ورضوا بقوله: نحن ا لأمراء وأنتم الوزراء. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قدموا قريشاً ولا تَقدَّموها. وليس مع هذا النص المسلم شبهة لمنازع فيه ولا قول لمخالف له. انتهى.

أما أمراء المسلمين الذين ينوبون عن الخليفة فلا يشترط فيهم ذلك فقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده أمراء غير قرشيين كما هو مشهور معلوم، ولا يأثم العثمانيون بعدم نصبهم خليفة غير قرشي إذا كان قد منعهم من ذلك مانع معتبر شرعاً كخشية الفتنة والتقاتل بين المسلمين لعدم رضا فريق منهم به، ولعل المناسب هنا أن نتلمس الحكمة في اشتراط أن يكون الخليفة من قريش، فالحكمة في ذلك كما ذكرها الدكتور عبد الله بن عمر بن سليمان الدميجي في كتابه الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، حيث قال: الحكمة -فيما أرى والله أعلم- أن قريشاً هي أفضل قبائل العرب بنص الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله اصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. رواه مسلم.

فالعرب في الأجناس وقريش في العرب مظنة أن يكون فيهم الخير أعظم مما يوجد في غيرهم، ولهذا كان منهم أشرف خلق الله تعالى صلى الله عليه وسلم الذي لا يماثله أحد في قريش، فضلاً عن وجوده في سائر العرب وغير العرب، وكان منهم الخلفاء والراشدون، وسائر العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم، وغيرهم ممن لا يوجد له نظير في العرب وغير العرب، وكان في العرب السابقون الأولون ممن لا يوجد لهم نظير في سائر الأجناس، فلا بد أن يوجد في الصنف الأفضل ما لا يوجد مثله في المفضول، فمظنة وجود الفضلاء في قريش أكثر من مظنة وجودهم في غيرها، ولم يخص النبي صلى الله عليه وسلم بني هاشم دون غيرهم من قريش وهم أفضل بطون قريش، لأنها بطن من قبيلة فعددها محصور وقليل، فلا يلزم أن يكون الفضلاء فيها، كما أن أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فيهم، وإنما في بني تيم وهو أبو بكر، ثم عمر من بني عدي ثم عثمان من بني أمية ثم علي من بني هاشم.

ومما يدل على فضل العرب على غيرهم قول الإمام أحمد في رواية الإصطخري عند ذكر عقيدته: ويعرف للعرب حقها وفضلها وسابقتها ويحبهم لحديث: حبهم إيمان، وبغضهم نفاق. ولا يقول بقول الشعوبية وأراذل الموالي الذين لا يحبون العرب ولا يقرون لهم بفضل، فإن لهم بدعاً ونفاقاً وخلافاً. طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى (1/30).

ومن الحكمة أيضاً أن الله سبحانه وتعالى قد ميزهم عن غيرهم من سائر القبائل بقوة النبل وسداد الرأي، وهما صفتان هامتان وضروريتان للإمام، يدل على ذلك الحديث الذي رواه أحمد بسنده عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش. فقيل للزهري: ما عني بذلك؟ قال: نبل الرأي رواه أحمد في مسنده، قال عنه السبكي: إسناده صحيح. كما في طبقات الشافعية الكبرى (1/191).

والحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه على شرط البخاري ومسلم وأقره الذهبي قد يكون هذا السبب في تخصيص قريش بالإمامة وقد يكون غيره ولا أثر لعدم معرفتنا الحكمة من ذلك على الحكم العام والعمل به وهو اشتراط القرشية في المرشح للإمامة. انتهى بتصرف يسير جداً.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني