الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تشدد الأب في أمر مؤخر صداق ابنته

السؤال

هل تشدد الأب في مؤخر صداق ابنته حرام أم حلال، مع العلم بأن الخطيب متدين وعلى خلق؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان المقصود مغالاة الأب وتشدده في مطالبة خطيب ابنته بمهر كثير أو مؤخر صداق كبير فهذا وإن كان جائزاً فإنه لا ينبغي، لأن ديننا الحنيف قد كره التغالي في المهور، وأخبر أن المهر كلما كان قليلاً كان الزواج أعظم بركة، وأن قلة المهر من يمن المرأة، فعن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها. أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وقال الألباني: وهو عندي حسن. وقال عمر رضي الله عنه: لا تغالوا في صدقات النساء. رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.

وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي عن أبي العجفاء قال: خطبنا عمر -رحمه الله- فقال: ألا لا تغالوا بصداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله لكان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. فهذا هو شرع الله وهذا هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه رضوان الله عليهم، قال النووي رحمه الله في المجموع: والمستحب ألا يزيد على خمسمائة درهم، وهو صداق أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

ولذا ننصحه بالعدول عن ذلك سيما أن الخاطب على خلق ودين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض. أخرجه الترمذي وغيره بإسناد حسن.

هذا على فرض أن الزواج لم يتم، وأما إذا كان قد تم واتفق ولي المرأة والزوج على مهر معين ومؤخر صداق محدد فلا حرج على الأب في المطالبة به إذا خولته ابنته ذلك أو جرت العادة على تولي الأب المطالبة بمثل ذلك نيابة عنها، لأن المهر من حقها الخالص لها فيما إذا حل أجله وكان الزوج موسراً، وإن كان ذا خلق ودين فهذا دين التزم به واشترط عليه وقبله فعليه أن يوفي به ويسدده إن حل أجله، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ {المائدة:1}، فأمر سبحانه وتعالى بالوفاء بالعقود وهي العهود، وأوجب وأحق ما يوفي به الشخص من الشروط التي اشتراطها على نفسه هي الشروط في النكاح، فعن أبي مسعود عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلىا لله عليه وسلم: أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج. متفق عليه.

وبناء عليه فإذا كان لمؤخر الصداق أجل معلوم وحل الأجل جاز للمرأة أو وليها المطالبة به، ووجب على الزوج الإجابة وتسديده إلا أن يكون معسراً فيجب إنظاره حتى يوسر، لقول الله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ {البقرة:280}، وأما إذا لم يحل الأجل فلا يحق للزوجة المطالبة به، والذي ننصح به هو تخفيف المهر وتقليل مؤخر الصداق تيسيراً على الخاطب إن كان لا يزال خاطباً أو مساعدة للزوج إن كان قد تم ذلك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني