الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أقوال العلماء في حديث: (داووا مرضاكم بالصدقة)

السؤال

أرجو معرفة القول الفصل في حديث: (داوو مرضاكم بالصدقة)، هل هو موضوع أم ضعيف أم حسن، فقد حكم عليه شيخنا الألباني رحمه الله في بعض كتبه بالوضع وفي كتاب آخر قال فيه ضعيف جدا وفي كتاب ثالث قال فيه حسن لغيره، فما هو الراجح من الأقوال السابقة؟ وجزاكم الله خيراً.. وبارك الله فيكم.. ونفع الله بكم الإسلام والمسلمين.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الشيخ الألباني -رحمه الله تعالى- قد حسن هذه الجملة المذكورة في السؤال في صحيح الترغيب وصحيح الجامع، وضعف الحديث نفسه في ضعيف الترغيب لأنه يحوي هذه الجملة مع جمل أخرى رواها أبو داود في المراسيل عن الحسن البصري، ونص هذا الحديث: حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، واستقبلوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع. كما ضعف -رحمه الله- حديثاً آخر يحوي هذه الجملة أيضاً ولفظه قريب من الأول، وهذا الحديث رواه الطبراني والخطيب وأبو نعيم والبيهقي وابن عدي، قال البيهقي في الكلام على السند: فضال بن جبير صاحب مناكير، وهذا الحديث ضعفه ابن الجوزي والهيثمي وقال فيه الألباني: ضعيف جداً. ونص هذا الحديث: حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء الدعاء. وفي الحديث رواية أخرى تحوي هذه الجملة أيضاً، ونصها: تصدقوا وداووا مرضاكم بالصدقة، فإن الصدقة تدفع عن الأعراض والأمراض، وهي زيادة في أعمالكم وحسناتكم. وهذا الحديث رواه البيهقي وقال: هذا منكر بهذا الإسناد، وقال فيه الألباني: موضوع. وهناك روايات أخرى تحوي هذه الجملة رواها البيهقي بأسانيد ضعيفة كما قال المناوي، وفي أحد هذه الأسانيد غياث بن كلوب قال فيه البيهقي: مجهول.

وبهذا يعلم أنه لا تناقض بين كلام الشيخ رحمه الله، وأنه إنما حسن هذه الجملة لرواية أبي داود لها في المراسيل عن الحسن واعتضادها برواية أبي الشيخ لها عن أبي أمامة، وضعف روايات حوت الجملة وجملا أخرى معها لضعف أسانيدها.

والحديث قد حكم الغماري بصحته، وألف فيه رسالة سماها: الزواجر المفلقة لمنكر التداوي بالصدقة.

ونحن لا نستطيع الآن أن نعطي قولاً فصلاً في الحديث لأن الأصل في المرسل الضعف، وأسانيد الطبراني والبيهقي والقضاعي والخطيب لا تعضده، لأنها ضعيفة الأسانيد كما نص عليه غير واحد من أهل العلم، وأما رواية أبي الشيخ التي ذكرها السيوطي في الجامع الصغير وحسنها الألباني فلم نطلع على سندها حتى نعلم حاله، فإذا سلمت رواية أبي الشيخ من الضعف الشديد فإنه يتقوى بها مرسل أبي داود وينجبر ضعفه ويصير حسنا لغيره، كما قال العراقي في الألفية بعد الحكم بضعف الحديث المرسل:

لكن إذا صح لنا مخرجه * بسند أو مرسل يخرجه

من ليس يروي عن رجال الأول * نقبله......

وقد احتج بالحديث في الترغيب في الصدقة عن المرضى كثير من أهل العلم منهم: ابن الحاج في المدخل، وابن مفلح في الفروع، وقال بعد ذكر تضعيفه حديث البيهقي الطويل بسبب موسى بن عمير: وجماعة من أصحابنا وغيرهم يفعلون هذا، وهو حسن ومعناه صحيح. انتهى. وقد احتج بالحديث أيضاً السفاريني في غذاء الألباب شرح منظومة الآداب.

ويشهد للحديث ما ثبت من الأدلة الشرعية في دفع البلاء بالصدقات، ومن أصح ذلك حديث الصحيحين في الكسوف قال فيه: فإذا رأيتم ذلك فادعو الله وكبروا وصلوا وتصدقوا. قال ابن دقيق العيد في شرحه: وفي الحديث دليل على استحباب الصدقة عند المخاوف لاستدفاع البلاء المحذور. انتهى.

وقال شيخ الإسلام: الدعاء سبب يدفع البلاء، فإذا كان أقوى منه دفعه، وإذا كان سبب البلاء أقوى لم يدفعه لكن يخففه ويضعفه، ولهذا أمر عند الكسوف والآيات بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة. انتهى.

ويضاف إلى هذا مشروعية الصدقة حيث رغب العبد فيها كل يوم؛ كما في الحديث: ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً. متفق عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني