الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكفاءة في النسب.. رؤية شرعية

السؤال

هل عدم تكافؤ النسب بين الزوجين يوجب الطلاق؟ وهل يوجد دليل إذا كان نعم؟ وهل هذه تعتبر تفرقة عنصرية بين المسلمين فإن كان الجواب نعم فيجب أن تكون إمامة المسلمين في تكافؤ النسب. والله ولي التوفيق

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أختي الكريمة أن مسألة الكفاءة في النكاح، وهل يعتبر فيها النسب أو لا يعتبر؟ ليس مردها إلى الأهواء والشهوات والنعرات الجاهلية، بل المرجع في ذلك هو إلى الشريعة الغراء، وإذا تأملت بإنصاف وعدل لوجدت أن الإمام الأعظم أبا حنيفة رحمه الله وهو فارسي يعتبر النسب من ضمن الكفاءة في النكاح، فيرى أن الفارسي ليس كفؤا للعربية، والإمام مالك بن أنس العربي يعتبر أن النسب ليس من كفاءة النكاح، فيعتبر غير العربي كفؤا للعربية والقرشية، فهؤلاء عند ما قرروا الأحكام الشرعية لم ينطلقوا من منطلقات عنصرية.

واعلمي أيضاً أن كثيراً ممن ينقدون هذا الرأي الفقهي هم أشد الناس تطبيقاً له، فلو تقدم إلى بنت أحدهم -وهو مدير إدارة- صاحب حرفة دنيئة كفرَّاش أو مُرَقع أحذية لما قبله، بل لربما آذاه بالقول والفعل.

واعلمي أن لمن اعتبر الكفاءة في النسب حججا من الشرع والمعنى يركنون إليها ويعتمدون عليها، ومن ذلك:

أولاً: ما رواه مسلم من حديث واثلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم. وهذا الحديث وإن كان صحيحاً؛ إلا أن الاستدلال به على الكفاءة في النسب فيه نظر، كما قال ذلك الحافظ في الفتح وغيره.

ثانياً: ما رواه الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العرب بعضهم أكفاء بعض، والموالي بعضهم أكفاء بعض، إلا حائك أو حجام. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في بلوغ المرام: وفي إسناده راو لم يسم، واستنكره أبو حاتم.

ثالثاً: ما رواه النسائي وابن ماجه إن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالت له: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته. قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء.

وابن العم وإن كان كفؤا في النسب إلا أن موطن الشاهد في الحديث أنه كان فيه خسة فلم يكن كفؤا لها، وهو يدل على أن الكفاءة حق للمرأة لما يلحقها من النقص والعار بالزواج ممن ليس كفؤا لها ، ولها أن تسقط الحق كما فعلت هذه المرأة.

وأما حجتهم من المعنى فهي أن قبول الأولياء بمن تقدم إليهم لا يجب عليهم، بل لهم أن يرفضوه ولو كان ذا نسب رفيع، فكيف إذا كان يلحقهم بذلك العار، ويصل إليهم من سباب الناس وشتمهم لكونهم قبلوا بفلان زوجاً لابنتهم.

واعلمي أن العلماء في اعتبار الكفاءة في النسب على أقوال:

القول الأول: أنه لا اعتبار بالنسب، وإلى هذا ذهب مالك رحمه الله، وهذا الذي نفتي به، كما سبق في الفتوى رقم:24790، والفتوى رقم: 61479.

القول الثاني: أن الكفاءة في النسب شرط لصحة النكاح، وهي إحدى الروايتين عن أحمد، وهذا القول من مفردات مذهب الحنابلة.

القول الثالث: - وهو قول وسط بين القولين السابقين - أن الكفاءة حق للزوجة والأولياء، فإذا أسقطوه فلهم ذلك والنكاح صحيح، وهذا مذهب جمهور الفقهاء ومنهم الحنفية والشافعية وهو المعتمد عند الحنابلة.

ونحن مع ترجيحنا لقول الإمام مالك فإننا لا نسفه رأي جمهور الفقهاء؛ بل نحترم قولهم، ونرى أن له وجهاً قوياً من النظر.

وهذا لا يعني احتقار الآخرين من ذوي الأنساب غير الرفيعة، فقد يكون صاحب النسب الرفيع لا يساوي عند الله جناح بعوضة، وقد يكون من هو في نظر الناس وضيع النسب ممن لو أقسم على الله لأبره، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، كما أخبر بذلك نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : أعيرته بأمه، إنك امرؤ فيك جاهلية. رواه الشيخان. ولكن اعتبار النسب فيه دفع الضرر عن المرأة وأوليائها لما يلحقهم من العار، واعتبار الأنساب واقعٌ فرض نفسه، فينبغي أن يكون علاجه بشيء من الصبر وطول النفس، وشرح الإسلام للناس شرحا صحيحا على ضوء إن أكرمكم عند الله أتقاكم.

وبعد ذكر ما سبق نقول: إذا عقد مسلم على مسلمة عقد النكاح الصحيح المحتوي على إيجاب الولي وقبول الزوجة وحضور الشهود، فلا يجوز إجبارهما على الطلاق بحجة عدم تكافؤ النسب على ما نرجحه، ولكن إن كان الحكم في المحاكم الشرعية بخلاف ما نفتي به، فإنه يلزم المسلمين في ذلك البلد الخضوع للقضاء الشرعي ببلدهم.

وأما شروط الإمامة، فإن كنت تقصدين الإمامة العظمى فلها شروط سبق ذكرها في الفتوى رقم 8696.

وإن كنت تقصدين إمامة الصلاة فلها شروط سبق ذكرها في الفتوى رقم: 9642.

والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني