الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإعانة على الزواج وإتمامه أفضل من حجة النفل

السؤال

أنا فتاة في الثلاثين من العمر، وأنوي الزواج لأجل الستر والعفاف لي وللخطيب، مع العلم أنه صاحب دين وخلق، وعائلتي تشهد على ذلك، وكنت أنا وعائلتي قد وعدناه بأنه سيتم الزواج في هذه الصائفة، وقد شرع هو في تحضير ما يخصه للزواج، ولكن المشكلة أن أبي يريد تأجيل الزواج لكي أوفر مبلغًا لتوفير مصاريف جهازي للعرس بتكليفي ما لا طاقة لي، لأني أملك ما يكفيني لإنجاز عرس بسيط، مع العلم أن أبي باستطاعته أن يعينني على مصاريف العرس، ولكنه يجب عليه الذهاب إلى السعودية، ودفع المال للإقامة، مع العلم أنه لا يقيم في السعودية، هذا لكي يتمكن من الحج كل سنة، مع العلم أنه حج أكثر من عشر مرات. فهل من الأولى أنه يعينني على مصاريف جهازي للعرس، أم دفع المال بغرض الإقامة والذهاب إلى السعودية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا ينبغي لهذا الأب تأخير زواج ابنته ما دامت تقدر على تجهيز نفسها ولو جهازًا بسيطاً، وننبه إلى أنه لا يجب على الأب تجهيز ابنته، وانظري الفتوى: 31057 ، ففيها كلام أهل العلم حول من يجب عليه التجهيز، لكن إن جرى العرف بأن المرأة تساعد في تجهيزها أو توقف على مساعدتها في زواجها، فينبغي للأب مساعدتها فيه من باب الصلة والصدقة، ولا شك أن الأولى والأفضل لأبيك هو الجمع بين الأمرين إذا استطاع، فيعينك على الزواج، ويساعدك فيه، ويحج أيضًا لفضيلة الحج وعظم أجره.

وأما إذا لم يستطع الجمع وكان إما أن يعينك على زواجك ولا يحج من عامه، أو يحج ويؤجل زواجك إلى ما بعد فإعانتك على الزواج وإتمامه أولى من حجة النفل إذا كان تأجيل الزواج يضر بك أو تخشين منه حل الخطبة وأنت بحاجة إلى الزواج، وذلك لأمور:

منها: القربة المتعدية أفضل من القاصرة. قال المناوي في فيض القدير: وأشرف المنفعة ما تعلق بالخلق، لأن الحسنة المتعدية أفضل من القاصرة.

ومنها: أن الصدقة على المحاويج أفضل من حج النافلة، نص على ذلك غير واحد من أهل العلم، جاء في الفروع لابن مفلح: سأل حرب لأحمد أيحج نفلًا أم يصل قرابته؟ قال: إذا كانوا محتاجين يصلهم أحب إلي.. وفي العتبية وهي من أمهات المذهب المالكي: سئل مالك عن الغزو والحج أيها أحب إليك؟ قال: الحج؛ إلا أن تكون سنة خوف، قيل: فالحج والصدقة؟ قال: الحج؛ إلا أن تكون سنة مجاعة.. وفي المصنف لعبد الرزاق: عن الثوري وسأله رجل فقال: الحج أفضل بعد الفريضة أم الصدقة؟ فقال: أخبرني أبو مسكين عن إبراهيم أنه قال: إذا حج حججًا فالصدقة. وكان الحسن يقول: إذا حج حجة.

فهذه النصوص تدل على أفضلية التطوع لهذه البنت على الحج لما فيها من الصدقة والصلة، ولأن تأجيل الزواج ربما أدى إلى مفاسد عظيمة كوقوع البنت في الحرام، أو ذهاب الخاطب لمماطلته ونفاد صبره وحاجته لتعجيل الزواج، والحج يمكن تداركه فيما بعد من الأعوام.

وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: أن عبد الله بن المبارك أراد الحج، وفي طريقه وجد بعض الفقراء الذين لا يملكون قوتهم، فأمر برد الأحمال وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ قال: ألف دينار، فقال: عد منها عشرين دينارًا تكفينا إلى مرو وأعطهم الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام ثم رجع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني