الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المنع من رؤية المحضون في ميزان الشرع

السؤال

أنا مطلقة منذ سنة ونصف، كان زوجي السابق ومنذ الطلاق يرسل لي أولادي كل أسبوع يومين . وكان دائما يذهب إلى محل والدي ويتحدث معه ويجلس عنده مدة من الزمن وحتى بعد أن تزوج ___ ولكن ومنذ ستة أشهر بدأ يتغير فهو لم يعد يذهب إلى أبي ولا حتى يلقي عليه السلام - ويمر بالقرب من محله وكأنه غريب عنه .
ومنذ شهرين ونصف أيضا تغير بالنسبة لإرسال أولادي لي فأصبحت حياتي جحيما لأني لم أعد أراهم إلا كل أسبوعين أو ثلاثة وأنا أتكلم معهم على هاتف المدرسة لأنه منعني منذ شهور من أن أتحدث إليهم وأجري معهم اتصالا على هاتفهم في البيت.
أنا لا أريد منه شيئا غير أني أريد أن أرى أولادي كما كنت أراهم كل أسبوع ( وهذا لا يكفي طبعا فأنا أحب أن أراهم كل يوم بل كل دقيقه) ولكن ظروفي لم تسمح لي بأن آخذهم عندي لأن بيت أبي صغير وأخي وزوجته يسكنون في نفس البيت ( ابني الأكبر عمره 9 سنوات والأصغر عمره 6 سنوات)
من معرفتي بزوجي السابق بأنه ليس بهذا السوء وبالرغم من كل سيئاته إلا أنه عنده أشياء حسنة، ولكنه تغير ونتيجة للتغير تم الطلاق وبعد الطلاق تغير أكثر وأكثر وأصبح شيطانا لا أعرف كيف أتعامل معه لأني أرسلت خالي ليتحدث معه ولكنه لم يعر انتباها له -- أريد أن أرفع عليه دعوى حضانة لأولادي ولكني أخاف أن يحرمني منهم نهائيا لأنكم كما تعرفون المحاكم تأخذ وقتا طويلا جدا حتى تصدر الحكم، فقررت أن أوكل أمري إلى الله لعله يحدث بعد ذلك أمرا، وأنا أعرف أن الفرج لا يخرج إلا من الضيق، (فأنا والله في ضيق شديد) .
سؤالي هو هل من الممكن أن يكون أحد قد عمل له السحر وإذا كان مسحورا فهل هناك طريقة أقوم بها أو دعاء أدعوه لكي يفك السحر عنه.
لأني أحس وأشعر بأنه ليس طبيعيا بالرغم من أنني لا أراه ولكن تصرفاته ليست طبيعية
(أنا دائما أدعو له بالهداية والصلاح لأنه لا يصلي ولا يصوم فهو مسلم بالهوية فقط )
الرجاء الدعاء لي بالفرج القريب ولجميع المهمومين .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي ننصحك به أولا أنه إذا استطعت حل المشكلة بينك وبين أبي أولادك عن طريق تدخل المصلحين من أسرتيكما أو من الجيران بما يضمن حل المشكلة عائليا دون اللجوء إلى المحاكم، فذلك خير وأفضل؛ لما فيه من الأثر على الأولاد وصون سمعة الأسرتين معا، فإن لم ينفع ذلك فننصحك أولا باللجوء إلى الله تعالى مفرج الكروب وعلام الغيوب، فادعيه في أوقات الاستجابة، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أدعية كثيرة في الكرب والهم، مثل ما أخرجه أحمد عن عبد الله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا، قالوا: يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات ؟ قال: أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن.

وأخرج أحمد وأبو داود عن نفيع بن الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت.

وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم.

وأخرج أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله الله ربي لا أشرك به شيئا.

وعليك أيضا بدعاء ذي النون، فقد أنجاه الله بدعائه حين دعا به وهو في بطن الحوت، فقد أخرج أحمد والترمذي عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوة ذي النون وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.

وحاولي تقديم النصح لهذا الرجل بواسطة أحد العلماء أو أئمة المساجد، أو زوج إحدى صديقاتك بواسطة صديقتك، فلا مانع من نصحه بالنظر في سبب تغير أخلاقه ومعاملاته وأن يبين له أنه يشرع علاج المصاب بالسحر أو الجنون بالرقية الشرعية كما يشرع علاج غير المصاب بالرقية أيضا كما نص عليه النووي، واحرصي على أن تحسني إليه وتهدي إليه حتى تستميلي قلبه، فإن الإحسان يستعبد الناس كما قال الشاعر:

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *فطالما استعبد الإنسان إحسانا.

وقال الله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

واعلمي أنه قد اتفق الفقهاء على أنه يحق لكل من الأبوين رؤية وزيارة أولاده إذا كانت الحضانة لغيره، وليس لمن له حق الحضانة منع الزيارة، قال صاحب الغرر البهية في فقه الشافعية: ولا يمنعه من زيارتها (أي لا يمنع الأب إذا كانت الحضانة له الولد من زيارة والدته) لئلا يكلفها الخروج لزيارته؛ إلا أن يكون المحضون أنثى له منعها من زيارتها لتألف الصيانة وعدم البروز. انتهى.

و قال ابن قدامة في المغني: ولا يمنع أحدهما من زيارتها عند الآخر. اهـ

والسبب فيه أن المنع من ذلك فيه حمل على قطيعة الرحم فإن منع الزوجة زوجها من رؤية ولدها حرام، وقد ورد التهديد الشديد، والوعيد الأكيد لقاطع الرحم، ويكفي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة قاطع. رواه البخاري ومسلم. وفيهما واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال لها: مه. قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة. قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك. قالت: بلى يا رب. قال: فذاك. قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ {محمد: 22-23}.

فإذا حصل النزاع بين الطرفين ولم يمكن حله على ضوء ما ذكرنا فلا مانع من الرجوع إلى المحاكم الشرعية، لأنها ذات الاختصاص في البت في مثل هذه المسائل.

واعلمي انه إذا كنت قد تنازلت عن حقك في الحضانة بسبب عدم وجود سكن مناسب فلك أن تتراجعي عن ذلك، فقد ذكر أهل العلم أنه إذا أسقطت الحاضنة حقها في الحضانة لعذر انتقلت إلى من يليها، فإن رجعت عن ذلك عاد حقها، لأنه إذا زال المانع عاد الممنوع، ففي الموسوعة الفقهية عند الكلام على سقوط الحضانة وعودها ما نصه: وقد تسقط الحضانة بسبب إسقاط المستحق لها. كذلك إذا أسقط الحاضن حقه ثم عاد وطلب أجيب إلى طلبه، لأنه حق يتجدد بتجدد الزمان كالنفقة. وإذا امتنعت الحضانة لمانع ثم زال المانع كأن عقل المجنون، أو تاب الفاسق، أو شفي المريض.. عاد حق الحضانة، لأن سبيلها قائم، وأنها امتنعت لمانع فإذا زال المانع عاد الحق بالسبب السابق الملازم طبقا للقاعدة المعروفة ( إذا زال المانع عاد الممنوع ). وهذا كله متفق عليه عند جمهور الفقهاء - الحنفية والشافعية والحنابلة - واختلفوا في بعض التفصيلات. فقال الحنابلة وهو المذهب عند الشافعية: إن حق الحضانة يعود بطلاق المنكوحة من أجنبي فور الطلاق، سواء أكان بائنا أم رجعيا دون انتظار انتهاء العدة وذلك لزوال المانع. وعند الحنفية والمزني من الشافعية: أن حق الحضانة يعود فور الطلاق البائن، أما الطلاق الرجعي فلا يعود حق الحضانة بعده إلا بعد انتهاء العدة. أما المالكية فإنهم يفرقون بين زوال الحضانة لعذر اضطراري وبين زوالها لعذر اختياري. فإذا سقطت الحضانة لعذر اضطراري لا يقدر معه الحاضن على القيام بحال المحضون كمرض الحاضن أو سفر الولي بالمحضون سفر نقلة، أو سفر الحاضنة لأداء فريضة الحج، ثم زال العذر بشفاء الحاضنة من المرض، أو عودة الولي من السفر، أو عودتها من أداء فريضة الحج، عادت الحضانة للحاضن، لأن المانع كان هو العذر الاضطراري وقد زال، وإذا زال المانع عاد الممنوع. وإذا زالت الحضانة لمانع اختياري كأن تتزوج الحاضنة بأجنبي من المحضون ثم طلقت، أو أسقطت الحاضنة حقها في الحضانة بإرادتها دون عذر، ثم أرادت العود للحضانة. فلا تعود الحضانة بعد زوال المانع بناء على أن الحضانة حق للحاضن، وهو المشهور في المذهب. وقيل: تعود بناء على أن الحضانة حق المحضون. اهـ

وللفائدة راجعي الفتوى رقم: 10233، والفتوى رقم: 6256، والفتوى رقم: 32655.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني