الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضمان وتحمل العيب على البائع أم على المشتري

السؤال

اشتريت قماشا باهظ الثمن وبعد أن أصبح جاهزا وارتديته ومن أول مرة اتضح أنه ليس متينا وبدأ يتقطع، المهم أخي الكريم أن التاجر يقول إن السبب من الخياطة وفي الأخير وعدني بأن يعطيني قماشا آخر فهل يعتبر دلك غرامة وهل آخذه من عنده مقابل ثمن رمزي.
وجازاكم الله خيرا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإذا كان القماش قد تمزق بسبب منك كأن يكون ضيقا عليك وقد لبسته مع ضيقه فتمزق لذلك، فلا حق لك في الرجوع على البائع أو على الخياط بقيمة القماش أو الخياطة لعدم ما يوجب الضمان عليهما.

وإن لم يكن قد تمزق بسبب منك ففي ذلك تفصيل يعتمد على قول أهل الخبرة، فإن قالوا بأنه تمزق لعيب في الخياطة فلك أن ترجعي على الخياط بقيمة القماش وقيمة الخياطة لأنه هو الذي تسبب في إتلاف الثوب فوجب عليه ضمانه.

وقد نص أهل العلم على نظير ذلك، فجاء في مجمع الضمانات من كتب الحنفية: في الرجل يدفع إلى رجل ورقاً ليكتب له مصحفاً وينقطه ويعجمه ويعشره بكذا من الأجر، فأخطأ في بعض النقط والعواشر أنه إن فعل ذلك في كل ورقة أنه يضمن قيمة الورق. انتهى.

وجاء في روض الطالب من كتب الشافعية: لو استأجره للنسخ فغلط في حال الكتابة فإنه لا أجرة له ويغرم أرش الورق انتهى.

وإن قال أهل الخبرة بأن القماش تمزق بالاستعمال أو بالخياطة لعيب في صناعته ففي ضمان البائع قيمة ذلك القماش خلاف بين الفقهاء مبني على الخلاف في ضمان العيب الذي لا يُعلم إلا باستعمال يؤدي إلى تغير في ذات المبيع بحيث لا ينتفع به بعد هذا التغير، وقد اختلف أهل العلم في ذلك على قولين:

القول الأول: أنه من ضمان البائع أي أن البائع ملزم بتحمل قيمة القماش. وهذا هو مذهب الحنفية والحنابلة والشافعية وقول عند المالكية وهو رواية المدنيين عن مالك، وعللوا ذلك بورود البيع في هذه الحالة على غير متقوم لتبين عدم وجود قيمة للمبيع لعدم إمكان الانتفاع به.

القول الثاني: أنه من ضمان المشتري. وإلى هذا ذهب المالكية في المذهب فقالوا: لا يردّ البيع بظهور عيب باطن لا يطّلع عليه إلاّ بتغيّر في ذاته، وعللوا ذلك بأن هذا عيب حدث عند المشتري فكان عليه ضمانه.

والراجح هو القول الأول لوجهين:

الأول: أن العيب الحادث في المبيع عند المشتري سببه الاستعمال الذي اشتري لأجله، فالمشتري معذور فيه غير ضامن له.

الثاني: أن المشتري إنما رضي بالمبيع سليماً، فإذا تبين أنه معيب فلا يكون داخلاً في قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. {النساء: 29}، ولا يكون من ضمان المشتري، وإلى هذا ذهب الأبهري من المالكية فيما نقله عنه القرافي في الذخيرة فقال: يرد لدخول المتبايعين على السلامة أي على سلامة المبيع.

ومما يؤكد هذا الترجيح أن المالكية أنفسهم مضطربون فيما ذهبوا إليه كما أشار إليه المواق في التاج والإكليل فقال: انظر اضطراب الشيوخ... فيمن اشترت رمادا وقال لها البائع هو جيد، فقالت بيضت به الغزل فلم يخرج جيدا، فإن بقي منه شيء غزل، فإن خرج جيدا فلا شيء على البائع وإلا رجعت عليه بالثمن. البرزلي: هذا مثل ما تقدم في الزريعة إذا زعم المشتري أنها لا تنبت يؤخذ بعضها ويختبر. وانظر إذا شق الجبن اليابس فوجده فاسدا، أفتى ابن لبابة بأنه يرده لأنه مما عملته الأيدي وليس كالخشبة والفص وما أشبه ذلك..

وإذا تقرر هذا، فلك أن ترجعي على التاجر أو على المصنع بقيمة القماش وكذلك الخياطة، لأن تحملك لقيمة القماش أو الخياطة مع عدم قدرتك على عدم الانتفاع بالثوب ضرر لم تتسببي فيه، فيلزم البائع أو المصنع ضمان هذا الضرر وتحمله.

وراجعي الفتوى رقم: 49255، والفتوى رقم: 3582، والفتوى رقم: 6745.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني