الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ليس كل رياء يحبط العمل كلية

السؤال

سمعت قصة أن رجلا كان يصلي لمدة 20 سنة في الصف الأول، وفي مرة تأخر فعندما صلى في الصف الثاني شعر بالحرج، وبعد الصلاة ظل يبكي لأنه اكتشف أن صلواته طوال العشرين سنة كانت رياء، فهل هذا يمكن أن يكون صحيحا، أي أن يكون المرء يصلي ويرائي وهو لا يدري أنه يرائي، وإذا كان ذلك فكيف سيطلب المرء العلاج إذا كان لا يدري أنه مريض أصلا، وهل يبطل العمل بهذا النوع من الرياء، وهل الشعور بالحرج فى الصلاة يعتبر رياء؟

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

لا مانع من أن يكون لدى الشخص بعض الرياء وهو لا يطلع عليه لشدة خفائه، لكنه قد لا يكون محبطاً للأعمال، ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدعاء، وهو: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم. ثم إن كل من يجد في نفسه فرقاً بين أن يطلع عليه أو لا يطلع عليه أثناء عمله للعبادة فيه شائبة من الرياء لكنها قد لا تحبط العمل.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الرياء هو أحد أمراض القلوب التي تحبط الأعمال أو تنقص أجرها وهو من الشرك الأصغر، والشرك كما ورد في الحديث أخفى في النفوس من دبيب النمل على الصفا، فعلى المسلم أن يجاهد نفسه ليتجنب الرياء ويخلص في عبادة الله تعالى، وقد يكون في المرء نوع من الرياء الخفي وهو لا يدرك أنه رياء، ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى علاج ما لا يعلم من الرياء، وهو هذا الدعاء المذكور في الحديث الآتي، ثم إن من الرياء ما يبطل العمل وذلك إذا كان هو الباعث على العمل، ومنه ما ينقصه حسب درجة الرياء، والظاهر أن ما خفي من الرياء لدرجة أن صاحبه قد لا يطلع عليه ليس محبطاً للأعمال، لأنه ليس هو الباعث على العمل فقط، ومع ذلك فعلى المرء أن يتهم نفسه بالرياء ويفتش عنه في نفسه لأجل السلامة منه، فقد كثر خوف العلماء والعباد من هذه الأمة من الرياء في أعمالهم وكثر اتهامهم لأنفسهم لشدة خفائه وغموضه، ومن الممكن أن يكون ما ذكر عن الشخص المذكور من هذا القبيل، ففي الحديث: الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا، وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب عنك صغار الشرك وكباره، تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم. صححه الألباني.

قال المناوي في فيض القدير: قال الغزالي: ولذلك عجز عن الوقوف على غوائله سماسرة العلماء فضلاً عن عامة العباد وهو من أواخر غوائل النفس وبواطن مكايدها.. إلى أن قال -أي المناوي-: قال ابن القيم: الشرك شركان: شرك متعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته في أفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته... إلى أن قال: الشرك في عبادته أخف وأسهل فإنه يعتقد التوحيد، لكنه لا يخلص في معاملته وعبوديته بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا والرفعة والجاه أخرى، فلله من عمله نصيب ولنفسه وهواه نصيب وللشيطان نصيب وهذا حال أكثر الناس وهو الذي أراده المصطفى صلى الله عليه وسلم هنا، فالرياء كله شرك. انتهى.

وإذا كان المراد بالشعور بالحرج في الصلاة أن يجد في نفسه فرقاً بين أن يطلع عليه أو لا يطلع عليه أثناء عمله للعبادة فإن ذلك يدل على أن فيه شائبة من الرياء لكنها قد لا تحبط العمل، قال ابن قدامة المقدسي في مختصر منهاج القاصدين: وشوائب الرياء الخفي كثيرة لا تنحصر، ومتى أدرك الإنسان من نفسه تفرقة بين أن يُطَّلع على عبادته أو لا يطلع، ففيه شعبة من الرياء، ولكن ليس كل شوب محبطاً للأجر، ومفسداً للعمل بل فيه تفصيل. انتهى.

وللمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 10992.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني