الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم سفر الابن لإكمال تعليمه بدون إذن والده

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد عليه الصلاة والسلام إلى يوم الدين الذي بعث للناس أجمعين أما بعد: هده قصتي ...
أنا شاب طموح حاصل على بكالوريوس حاسوب من الدور الأول بمعدل جيد جدا، ولدي الرغبة الشديدة على مواصلة دراستي ولكن العقبات التي واجهتني كالتالي.... التشجيع من أهل المنزل على مواصلة دراستي لا يوجد ومعاملة أبى لي تتسم بالشدة والجفاف في معظم الأحيان مند صغري من سن الثلاثة عشر تقريبا وأنا الآن في سن الخامسة والعشرين ، وهذه المعاملة أثرت على شخصيتي وولدت في روح القلق والخوف من عدة مواقف وعدم الاتزان في بعض الحركات والكلام وبعض التصرفات، ومؤخرا تأثرت حالتي النفسية والصحية مما سبب لي بعض الاضطرابات والالتهابات في الأمعاء نتيجة الضغوط النفسية ،مع أنني شاب ملتزم نوعا ما وأقرا القرآن الكريم وأحفظ بعض السور والحمد لله (الحي الذي لا يموت) ، ولكن هده المعاملة أثرت على شخصيتي كثيرا، وأبى بعد أن تخرجت هو الذي وفر لي العمل في نفس المكان الذي كان يعمل به هو قبل تقاعده مما سبب لي بعض التقييد في العمل وفي تعاملي مع زملائي ، ومعظم زملائي في العمل لاحظوا علي هدا التقييد والعزلة والانطواء وعدم التصرف بحرية ولكن على كل حال بارك الله فيه، وأنا صارحته مند البداية أنني أريد تحسين وضعي المادي والعلمي بإكمال دراستي و سوف أجمع نقود العمل وأذهب للدراسة في خارج دولتي ، ولكن فوجئت انه قام يطلب منى النقود بين الحين والأخر ، وأنا بدأت أعطيه النقود لأنه أبى مهما كان، أملا منه أن يساعدني عندما أقول له إني سوف أدرس، وقمت بمحاولة جمع مال عملي ولكن المشكلة أنه يسأل كم عندك في المصرف، ويقول اسحب لي النقود كلها، مع أنه يملك راتبا جيدا ، وأمي تعمل في إحدى المدارس كعاملة تنظيف والشيك عند أبي ،لا يعطيها نقودها إلا نادرا، يوجد لدينا حقل زراعة قريبا من المنزل أعمل فيه مند صغرى مع أبى وإخوتي، وأعاني من بعض الحساسية الدائمة، ولكن لا يهتم بمرضي ، همه أن أعمل فقط ، وفي الآونة الأخيرة شعرت بأن الأمراض بدأت تتفاقم علي ، وأعمل في فحوصات تكلف بعض المال في عيادات خاصة، ولكن أفتقر إلى المال الكافي وأبى يعلم ولكن لا يبالى، وتعامله هذا انعكس على إخوتي الأكبر سنا مني والأقل، كل شخص يعمل لوحده ولا يسأل عن أخيه، وأنا أدعو من الله دائما في صلاتي أن يلم شمل عائلتي لأن وضعها مؤسف، معاملة جافة بين الإخوة، سببه معاملة الأب، عندما يطلب أحد نقودا من أبي حتى إخوتي الصغار، يقول لا يوجد عندي نقود، ويصرخ في المنزل، مع أنه يملك راتبا جيدا، ومؤخرا تقاعد وصار يعمل في التاكسي، بمعنى دخل إضافي زيادة على راتبه من الدولة وراتب أمي ولديه ما يقارب أربع سيارات، مع أن أبي متعلم ولكن هذا حاله.
خلاصة قصتي ....
أنني أريد أن أبني مستقبلي من خلال مواصلة تعليمي والعفة والزواج وتكوين أسرة مسلمة سعيدة، ولكن لا يوجد أي بوادر تشجيع على ذلك، فأنا أفكر في الهجرة لغرض الابتعاد عن أخذ سلفة أو قرض من المصرف لأن فيها فوائد وهذا (ربا) وهو حرام في الإسلام،لأن أبى في الفترة الأخيرة يلمح لي بأخذ سلفة أو قرض من المصرف وأنا لا أريد، والاعتماد على نفسي ومواصلة دراستي والعمل في آن واحد، ومساعدة عائلتي من خلال إرسال بعض النقود إليهم بين الحين والأخر، أنا اعلم بأن السفر دون علم الوالدين لا يجوز ولكن هذه ظروفي كما ذكرتها سابقا ما الحل، أرجو إرسال الحل من علماء المسلمين .

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

أخذ الوالد مال ولده ليس على إطلاقه، وإنما يصح ذلك بشروط لا تعود على الولد بالضرر والإجحاف كما أنه يجوز للولد السفر للعمل والعلم بدون إذن والديه إذا لم يكن ذلك سببا في ضياعهما.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجواب السؤال في نقاط:

الأولى: حكم أخذ الوالد من مال ولده وفي هذا نقول: إنه يجب على الولد مواساة أبيه من ماله والقيام بالإنفاق عليه إذا احتاج لذلك، وللأب أن يأخذ من مال ابنه ما يحتاج إليه ويتصرف فيه من غير سرف ولا إضرار بالولد، وذلك لما في المسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال: أنت ومالك لوالدك، إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أموال أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئا.

وأما إذا كان الوالد سينفق ما يأخذه من الابن في السرف أو كان ما يأخذه يلحق الضرر بالابن فإنه ليس للابن تمكين الأب من الأخذ من ماله لئلا يعينه على باطل، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. أخرجه الإمام مالك وغيره.

وإذا قلنا إن الأب يأخذ من مال ولده ما يحتاج إليه فقط كما هو قول جماعة من أهل العلم فلا حرج على الولد في عدم تمكين والده من أخذ غير ذلك.

النقطة الثانية: لا يجوز للزوج أن يأخذ من مال زوجته العاملة شيئا إلا بطيب نفس منها ونفقة البيت على الزوج لا على الزوجة.

النقطة الثالثة: إذا كان سفر الولد للعمل أو للدراسة آمنا ولا مخاطر يخشى منها الهلاك لا في طريقه ولا في عمله، وبلد إقامته، ولا يخشى على أبيه من الضياع لو سافر عنه فلا مانع من سفره بدون إذن والده وإن مانع من سفره.

قال الإمام السرخسي الحنفي في شرح السير الكبير: وكل سفر أراد الرجل أن يسافر غير الجهاد لتجارة أو حج أو عمرة فكره ذلك أبواه وهو لا يخاف عليهما الضيعة فلا بأس بأن يخرج لأن الغالب في هذه الأسفار السلامة، ولا يلحقهما في خروجه مشقة شديدة، فإن الحزن بحكم الغيبة يندفع بالطمع في الرجوع ظاهرا إلا أن يكون سفرا مخوفا عليه منه نحو ركوب البحر فحينئذ حكم هذا وحكم الخروج إلى الجهاد سواء لأن خطر الهلاك فيه أظهر.

والسفر بقصد التعلم إذا كان الطريق آمنا وإلأمن في الموضع الذي قصده ظاهرا لا يكون دون السفر للتجارة بل هذا فوقه لقوله تعالى: وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ {التوبة:122} فلا بأس بأن يخرج إليه وإن كره الوالدان إذا كان لا يخاف الضيعة عليهما.

قال: وإن كان يخرج في التجارة إلى دار الحرب بالأمان فكرها ذلك فإن كانوا قوما يفون بالعهد معروفين بذلك فلا بأس بأن يخرج لأن الغالب هو السلامة فصار هذا والخروج إلى بلدة أخرى من دار الإسلام سواء. انتهى.

النقطة الرابعة: لا يجوز للولد طاعة والده في الاقتراض بالفائدة لأنه ربا ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وفي ضوء ما تقدم فإن للولد أن يقرر ما يفعله وما يعود عليه بالمصلحة في دينه ودنياه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني