الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

يدعو على من ظلمه ولا يسلم عليه

السؤال

شخص ظلمني واتهمني بأمور سيئة جداً جداً ، وأنا إلى الآن أدعو عليه بسبب ظلمه لي ولا ألقي عليه السلام. فهل تصرفي صحيح؟ وهل يجوز أن أطلب من أحد الأصدقاء أن يدعو عليه معي أيضاَ ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيجوز للمظلوم أن يدعو على ظالمه، ولكن بقدر مظلمته دون تعدٍ.

قال القرافي في (الفروق): وحيث قلنا بجواز الدعاء على الظالم فلا تدعو عليه بمؤلمة من أنكاد الدنيا لم تقتضها جنايته عليك، بأن يجني عليك جناية فتدعو عليه بأعظم منها فتكون جانياً عليه بالمقدار الزائد، والله تعالى يقول: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى. {البقرة:194}.

ولا تدعو عليه بملابسة معصية من معاصي الله تعالى ولا بالكفر صريحاً أو ضمناً. اهـ.

وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 2789، 20322، 22409، 23857، 31158.

ومع ذلك فالعفو والصفح أعلى وأفضل وخير لصاحبه في الدنيا والآخرة، كما سبق تفصيله في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 114087، 5338، 116690.

وأما مسألة عدم إلقاء السلام، فإن إلقاءه سنة وليس بواجب عند جمهور العلماء، كما سبق في الفتوى رقم: 22278. ولكن المشكل هو ما يفهم من هذا الوضع، وهو الهجر الحاصل بين السائل وظالمه، فإن الأصل هو حرمة هجران المسلم فوق ثلاث إلا لوجه شرعي، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما من يبدأ بالسلام. رواه البخاري ومسلم.

ولكن قد نص بعض أهل العلم على إباحة هجر من يضر بدين المرء أو دنياه، فقد نقل الحافظ ابن حجر في (الفتح) عن الحافظ ابن عبد البر قوله: وأجمعوا على أنه لا يجوز الهجران فوق ثلاث، إلا لمن خاف من مكالمته ما يفسد عليه دينه أو يدخل منه على نفسه أو دنياه مضرة، فإن كان كذلك جاز، ورب هجر جميل خير من مخالطة مؤذية. اهـ.

وقد سبق لنا التنبيه على أنه لا حرج في هجر الظالم إذا استمر على ظلمه بعد نصحه وتحذيره، في الفتويين: 98396، 131038.

وأما طلب السائل من أحد أصدقائه الدعاء على ظالمه، فإن كان ذلك بقدر جنايته فلا نعلم مانعا شرعيا من ذلك، ويمكن أن يُستأنس لذلك بما رواه أبو داود وصححه الألباني، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال: اذهب فاصبر. فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال: اذهب فاطرح متاعك في الطريق. فطرح متاعه في الطريق، فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره فجعل الناس يلعنونه فعل الله به وفعل وفعل، فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه.

ومع ذلك فإننا نكرر نصح السائل بفعل الأفضل وهو العفو والصفح، فضلا عن توسيع رقعة الشقاق بمثل هذا الطلب.

ثم إنه قد يقال: إن كانت الشريعة قد رخصت للمظلوم في الدعاء على ظالمه، فينبغي أن يبقى من عداه على أصل المنع ولو استحبابا.

ثم ليعلم السائل الكريم أن الحامل له على ذلك إن كان هو شدة وقع الظلم على نفسه، أو شدة جرم الظالم ـ فإنه بدعائه عليه، فضلا عن طلب ذلك من غيره ـ يخفف عن الظالم حمله ووزره، كما روى أحمد وأبو داود عن عائشة قالت: سرقت مخنقتي (قلادتي) فدعوت على صاحبها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبخي عليه، دعيه بذنبه.

قال المنذري في (الترغيب): أي لا تخففي عنه العقوبة وتنقصي أجرك في الآخرة بدعائك عليه. اهـ.

وقال الصنعاني في (سبل السلام): وهذا يدل على أن الظالم يخفف عنه بدعاء المظلوم عليه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني