الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ظن بدافع الوسوسة أنه طلق امرأته فذهب وطلقها ثلاثا

السؤال

رجل مريض بالوسواس، ظن في وقت من الأوقات أن وسوسته جعلته يطلق زوجته ثلاثة وهو مع نفسه، فخاف أن تظل عنده زوجته، فذهب وطلقها ثلاثة، وأفتى له الشيخ أنه لا طلاق عليك، ولم يقع منك لأنك مريض بالوسواس القهري. فما حكم ذلك؟ مع العلم أنه ذهب لعدة مشايخ وقالوا له نفس الكلام، واذهب للعلاج.
وهذا الرجل يشك في كلامهم هل له الحق في الشك؟ هل الأصل أخذ الفتوى دون الالتفات لشيء حتى لا يقع في حيرة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله تعالى الشفاء العاجل للرجل المذكور، وأن يجنبه كل مكروه.

ولا يقع طلاقه بمجرد ظن وقوعه لأن الأصل بقاء العصمة حتى يحصل انقطاعها بيقين كما سبق في الفتوى رقم: 134958.

بل ولو تحقق أن الطلاق الثلاث قد صدر منه، لكنه كان بدافع قوة الوسواس، فإنه لا يقع كما سيأتي.

وبخصوص تلفظه بطلاق زوجته ثلاثا خشية بقائها في عصمته بعد ظن طلاقها، فينظر في حالة الوسواس الذي تلبس به، فإن كان شديدا بحيث نطق بالطلاق من غير إرادة حقيقية منه، بل بسبب غلبة المرض فلا شيء عليه لأنه حينئذ في حكم المكره.

ففي فتاوى الشيخ ابن عثيمين: المبتلى بالوسواس لا يقع طلاقه حتى لو تلفظ به بلسانه إذا لم يكن عن قصد، لأن هذا اللفظ باللسان يقع من الموسوس من غير قصد ولا إرادة، بل هو مغلق عليه ومكره عليه لقوة الدافع وقلة المانع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا طلاق في إغلاق ). فلا يقع منه طلاق إذا لم يرده إرادة حقيقية بطمأنينة، فهذا الشيء الذي يكون مرغما عليه بغير قصد ولا اختيار فإنه لا يقع به طلاق. انتهى

وفي هذه الحالة ينبغي له الابتعاد عن الشك في الطلاق، وليعلم أن له تقليد مَن أفتاه بعدم وقوع الطلاق إن كان أهلاً للفتوى، لأن العامي عليه تقليد الثقاة من أهل العلم لقوله تعالى : فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل: 43}

وراجع المزيد في الفتوى رقم: 17519.

وأما إن كان تطليقه لزوجته قد فعله مريدا مختارا وليس بتأثير الوسواس، بل لظنه أنه قد لزمه، فالظاهر أن الطلاق في هذا الحالة يلزمه، إذ لا تأثير للجهل بالحكم على حصول الطلاق.

قال السبكي في فتاواه: ولو أعتق ظانا وجوبه عن كفارة ونحوها أو طلق ظانا وجوبه عن أمر لسبب إيلاء ونحوه أو وهب ظانا وجوبها بسبب من الأسباب فيبعد كل البعد أن يقال لا تصح هذه التصرفات، والتوقف في ذلك لا معنى له... إلى آخر كلام نفيس ذكره في هذه المسألة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني