الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شبهة حول مكانة المرأة في الإسلام والرد عليها

السؤال

لقد رأيت في أحد المواقع على الإنترنت حديثا مضمونه أن امرأة سألت الرسول ـ صلوات ربى وسلامه عليه ـ أن المرأة شهادتها نصف شهادة الرجل ونصيبها في الميراث نصفه أيضا، وأنا أعلم هذا جيدا، ولكنى رأيت في نهاية الحديث أنها تقول: (هل حسنتنا تعادل نصف حسنة الرجل؟ فنزلت آية: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) ففهمت أن كلامها صحيح في مضمون الحديث، ولكني لم أعرف صحة هذا الحديث فتركت الموضوع؛ لأرى بعدها أحد المقالات لرجل مسيحي يتكلم عن مسألة النساء وظلمهم في الإسلام، والإسلام منهم ومما يقولون براء، فما نصف المرأة في الحياة كلها قدر ما نصفها الإسلام وأعطاها من حقوق وتقدير وتشريف، ولكنى رأيت أيضا ذلك الحديث متصلا بموضوعه، فما صحته؟.
وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، من طريق أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله، للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل، أفنحن في العمل هكذا إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة؟ فأنزل الله هذه الآية {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} فإنه عدل مني وأنا صنعته.
وصححه الشيخ أحمد شاكر في اختصار تفسير ابن كثير، وقال الأستاذ الدكتور عبد الملك دهيش في تحقيق (الأحاديث المختارة): إسناده حسن. اهـ.
وكذا قال الدكتور عصام الحميدان في تحقيق (أسباب النزول) للواحدي. وذكره في كتابه (الصحيح من أسباب النزول ص 119) ولكنه رجح أن ذلك سبب نزول المقطع الثاني من الآية وهو قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} لا أولها وهو قوله: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} وقال: أول الآية له سبب آخر ضعيف. اهـ.
وعلى هذا سار القسطلاني في شرح البخاري حيث قال: ولما قال الرجال: نرجو أن يكون أجرنا على الضعف من أجر النساء كالميراث، وقالت النساء: يكون وزرنا على نصف وزر الرجال كالميراث، نزل {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} وليس ذلك على حسب الميراث. اهـ.
وعلى هذا التوجيه في سبب النزول يزول الإشكال من أصله، لأن الآية حينئذ تردُّ توهم المفاضلة في الثواب بين الذكر والأنثى لمجرد اختلاف الجنس! فلكل منهما جزاء عمله في الخير والشر والثواب والعقاب، والذكر في ذلك كالأنثى دون تمييز بمجرد اعتبار الجنس، قال ابن كثير: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} أي: كل له جزاء على عمله بحسبه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وهو قول ابن جرير. وقيل: المراد بذلك في الميراث، أي: كل يرث بحسبه. رواه الترمذي عن ابن عباس. اهـ.
وقال الماوردي في (النكت والعيون): {للرجال نصيب مما اكتسبوا، وللنساء نصيب مما اكتسبن} من الثواب على طاعة الله والعقاب على معصيته، وللنساء نصيب مثل ذلك، ليعني أن للمرأة بالحسنة عشر أمثالها كالرجل، وهو قول قتادة. والثاني: أن معنى ذلك للرجال نصيب مما اكتسبوا من ميراث موتاهم، وللنساء نصيب منه، لأن أهل الجاهلية لم يكونوا يورثون النساء، وهذا قول ابن عباس. اهـ.
وقال ابن الجوزي في (زاد المسير): قوله تعالى: {لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} فيه قولان: أحدهما: أن المراد بهذا الاكتساب: الميراث، وهو قول ابن عباس، وعكرمة. والثاني: أنه الثواب والعقاب. فالمعنى: أن المرأة تثاب كثواب الرجل، وتأثم كإثمه، هذا قول قتادة، وابن السائب، ومقاتل. واحتجّ على صحته أبو سليمان الدمشقي بأن الميراث لا يحصل بالاكتساب، وبأن الآية نزلت لأجل التمني والفضل. اهـ.
وقال الدكتور حسن البلوط في أطروحته للدكتوراة: (أسباب النزول الواردة في تفسير الإمام الطبري جمعا وتخريجا ودراسة): ذكر ابن جرير في سبب نزول الآية سبع روايات تتضمن قولين: الأول: بسبب قول أم سلمة (يعني اختصاص الرجال بالجهاد ومضاعفة نصيبهم في الميراث)، والثاني: أنها نزلت بسبب تمني بعض الرجال أن يكون لهم ضعف أجر النساء. ولم يرجح شيئا، بل جعل المعنى العام للآية يتناول القولين، قلت: هذا صحيح إن كانت أدلة القولين متكافئة فالجمع أولى، أما هنا فأدلة القول الأول صحيحة مرفوعة، بخلاف الثاني. وعليه فالراجح عندي أنها نزلت بسبب قول أم سلمة، ويكون المعنى عاما فيها وفي غيرها، كما ذهب إليه ابن جرير. اهـ.
هذا مع اعتبار أن الحكم بصحة الإسناد اجتهاد وترجيح، وإلا فجعفر بن أبي المغيرة وإن كان قد وثق، إلا أن ابن منده قال فيه: ليس بالقوي في سعيد بن جبير. اهـ. وهذا من روايته عنه.
وأشعث بن إسحاق قال البزار : روى أحاديث لم يتابع عليها، وقد احتمل حديثه. اهـ.
وعلى الحكم بصحة الإسناد، فإن الحديث ليس نصا في مضاعفة ثواب الذكر على الأنثى، بل فيه النهي عن تمني ما فضل الله به بعضنا على بعض، وأن هذا مقتضى عدل الله تعالى في خلقه. ثم إن سلمنا حصول المفاضلة في الثواب بين الرجل والمرأة، فإنها قد تحمل على الأعمال التي لا يشرع أو لا يستحب للمرأة أن تشارك فيها، فقد ذكر الحافظ ابن رجب هذا الحديث في شرح صحيح البخاري، وذكر له شاهدين عن السدي وقتادة، وقال: وهذا كله يشعر بأن النساء لهن نصف أجر الرجال في الأعمال كلها، وقد يخص ذلك بما لا يشرع مشاركة النساء للرجال في الأعمال، أو ما يجوز لهن مشاركتهم فيها، والأولى ترك المشاركة، كصلاة الجماعة. اهـ.
وعلى أية حال فلا ينبغي أن نختلف في المشتبه أو المحتمل، ثم نغض الطرف عما هو أبين منه وأوضح في الدلالة، كقوله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى {آل عمران:195}، قال ابن عاشور في (التحرير والتنوير): هذا كقوله تعالى: {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} [النساء: 32] أي أنتم في عنايتي بأعمالكم سواء، وهو قضاء لحق ما لهم من الأعمال الصالحة المتساوين فيها ... اهـ.
وقال ابن جزي في (التسهيل لعلوم التنزيل): {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} النساء والرجال سواء في الأجور والخيرات. اهـ.
وقال البيضاوي في (أنوار التنزيل): هي جملة معترضة بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال. اهـ.
وقال ابن الجوزي في (زاد المسير): في معنى قوله تعالى: {بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} ثلاثة أقوال: أحدها: بعضكم من بعض في الدين والنُصرة والموالاة، والثاني: حكم جميعكم في الثواب واحد؛ لأن الذكور من الإناث والإناث من الذكور، والثالث: كلكم من آدم وحواء. اهـ.
ثم إن سبب نزول الآية قد ورد فيه ما لا يشكل، فروى الإمام أحمد والترمذي، وصححه الألباني، عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت: يغزو الرجال ولا يغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث؟ فأنزل الله: { ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض }. فالتفضيل المنهي عن تمنيه هو اختصاص الرجال ببعض الأحكام والفضائل كالجهاد والميراث، قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): أما قول الله عز وجل: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} فقد فسر ذلك بالحسد، وهو تمني الرجل نفس ما أعطي أخوه من أهل ومال، وأن ينتقل ذلك إليه، وفسر بتمني ما هو ممتنع شرعا أو قدرا، كتمني النساء أن يكن رجالا، أو يكون لهن مثل ما للرجال من الفضائل الدينية كالجهاد، والدنيوية كالميراث، والعقل والشهادة ونحو ذلك، وقيل: إن الآية تشمل ذلك كله. اهـ.

وراجعي للفائدة عن مكانة المرأة في الإسلام والجواب عن بعض الشبهات في ذلك، الفتاوى التالية أرقامها: 16032 - 16441 - 136201.
ومن العجيب أن يبحث النصارى عن مطاعن يطعنون بها في الإسلام، ودينهم محرف وعقيدتهم باطلة ومتناقضة، ويمكن مراجعة ذلك في الفتاوى التالية أرقامها: 61499، 30506، 10326، 53029.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني