الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً..

السؤال

قال تعالى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ أريد أن أعلم جميع أقوال العلماء في تفسير هذه الآية ولكم جزيل الشكر والثواب من عند الله.....

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد قال الله تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46].
وهذه الآية إخبار عن فرعون وقومه أنه حاق بهم سوء العذاب في البرزخ، وأنهم في القيامة يدخلون أشد العذاب، وهذه الآية مما يستدل به أهل السنة على عذاب حياة البرزخ، وحاصل أقوال العلماء في تفسيرها ثلاثة أقوال:
القول الأول: أن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تعرض على النار غدوا وعشياً حتى تقوم الساعة، ونقل الإمام عبد الرزاق وابن أبي حاتم في تفسيرهما هذا القول عن ابن مسعود، ونقل الطبري نحوه عن هذيل بن شرحبيل والسدي والأوزاعي.
القول الثاني: أنهم يعرضون على منازلهم في النار تعذيباً لهم غدوا وعشيا، ونقل الطبري عن قتادة ومجاهد نحوه.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: أرواحهم تعرض على النار صباحاً ومساء إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار، ولهذا قال: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ أي أشده ألما وأعظمه نكالاً.
قال الطبري بعد أن نقل القولين: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله أخبر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً، وجائز أن يكون ذلك العرض على النار على نحو ما ذكرناه عن الهذيل ومن قال مثل قوله، وأن يكون كما قال قتادة. ولا خبر يوجب الحجة بأن ذلك المعنى به فلا في ذلك إلا ما دل عليه ظاهر القرآن وهو أنهم يعرضون على النار غدواً وعشياً.
فمن هذا تعلم أن مذهب الجمهور أن هذا العرض هو في البرزخ وإن اختلفوا في كيفية هذا العرض.

أما القول الثالث فهو: أن هذا العرض يكون في الآخرة، وإلى هذا ذهب الفراء وقال: ويكون في الآية تقديم وتأخير، أي أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها.
والصحيح الذي لا يُعدل عنه، هو ماذهب إليه الجمهور لأن الآية صريحة في إثبات عذاب القبر قبل قيام الساعة، والقول بأن الكلام فيه تقديم وتأخير، لا دليل عليه.
قال الشوكاني معلقاً على قول الفراء: بأن هذا العرض في الآخرة، ولا ملجئ إلى هذا التكلف فإن قوله: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ يدل دلالة واضحة على أن ذلك العرض هو في البرزخ، وتعقب القرطبي أيضاً الفراء بقوله: وهو خلاف ما ذهب إليه الجمهور من انتظام الكلام على سياقه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني