الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رخص المذاهب وحكم تتبعها، واختلاف الأئمة.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتههل يستطيع المسلم تتبع الرخص في المذاهب؟ ولماذا الاختلاف بين الأئمة أصلا؟ وهل يختلفون في مصادر التشريع الأساسية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:


فالرخص الشرعية الثابتة بالكتاب أو السنة لا باس بتتبعها والأخذ بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب أن توتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه" كما في صحيح ابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنه. وفي المسند عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته"، وهذه الرخص مثل القصر والفطر للمسافر، والمسح على الخفين والجبائر.
ومن الرخص الشرعية ما يجب الأخذ به كالأكل من لحم الميتة عند الضرورة وخوف الهلاك.
أما تتبع رخص المذاهب الاجتهادية والجري وراءها دون سبب من الأسباب المعتبرة فإنه يعد هروباً من التكاليف وهدماً لبنيان الدين، ونقضا لمقاصد الشرع المرعية في الأوامر والنواهي الشرعية. وقد اعتبر العلماء هذا العمل فسقاً لا يحل ارتكابه.
وحكى ابن حزم الإجماع على ذلك، وقال في الإحكام نقلاً عن سليمان التيمي: لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.
ونقل ابن تيمية عن ابن عبد البر أنه قال: (هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً) وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى ما ينبغي تأمله، فروى كثير بن عبد الله بن عمر وابن عوف المزنى عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إني لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: أخاف عليهم من زلة العالم، ومن حكم جائر، ومن هوى متبع".
وقال عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ يهدم الإسلام زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المعتلين.
وقال الإمام أحمد: لو أن رجلاً عمل بقول أهل الكوفة في النبيذ وأهل المدينة في السماع وأهل مكة في المتعة كان فاسقاً.
وقال الأوزاعي: من أخذ بنوادر العلماء خرج عن الإسلام.
والنقول في هذا الباب كثيرة جداً لا تكاد تحصى، والعلماء متفقون على مضمونها وإن اختلفت عباراتهم، وعلة ذلك عندهم أنه ما من عالم إلا وله زلة في مسألة لم يبلغه فيها الدليل أو أخطأ فهمه فيها الصواب. فمن تبع ذلك وأخذ به تملص من التكاليف الشرعية وزاغ عن جادة الحق وهو لا يدري.
فالعالم معذور مأجور، ومتبعه في ذلك بعدما يتبين له الحق مذموم مأزور. قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعدما نقل كلاماً لابن المبارك في هذا المعنى: وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء، فإنه ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلاّ لهم أقوال خفيت عليهم فيها السنة، وهذا باب واسع لا يحصى، مع أن ذلك لا يحط من أقدارهم ولا يسوغ اتباعهم فيها. انتهى كلامه.
أما قول السائل: لماذا الاختلاف بين الأئمة أصلاً؟ وهل يختلفون في مصادر التشريع الأساسية؟ فالجواب أن الأئمة متفقون على أن مصادر التشريع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس، على خلاف بينهم في بعض أقسام هذا الأخير.
وأما الاختلاف الواقع بينهم في مسائل الفروع فهو طبيعي جداً ومن اطلع على مدارك الخلاف بينهم علم أنهم ما اختلفوا عن هوى، وإنما كان سبب اختلافهم أحد أمرين أساسين:
1- اختلاف فهمهم لمدلول النص الشرعي، وهذا طبيعي جداً لاختلاف فهوم الناس وما جبلهم الله سبحانه وتعالى عليه من التفاوت في المدارك والعقول.
2- التنازع في ثبوت النص وصلاحيته للاحتجاج إن لم يكن قرآناً أوحديثا متواترا ولله سبحانه في وقوع هذا النوع من الاختلاف حكم بالغة، ولولا ذلك لما حصل.
وعلى كل حالٍ فقد قرر أهل العلم أن اتفاق الأئمة حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة. والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني