الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم دفع مال للحصول على شيء تساوت فيه حقوق كثيرين، أو للإسراع فيه

السؤال

لي صديق جاءته فرصة للسفر إلى دولة عربية عن طريق مسابقة في السفارة التابعة لهذه الدولة وفعلاً قدم فيها ولكنه تعرف على سيدة لها صلة بالعاملين بالسفارة واتفقت معه على أن تنفذ له المصلحة في مقابل مبلغ من المال، وفعلا اضطر لدفع المبلغ لها وبعد أيام ظهرت النتيجة ومضى العقد وهو الآن على وشك السفر فهو يسأل ما حكم ما فعله وهل توجد كفارة لهذا إن كان هذا ذنب قد اقترفه والله وحده يعلم أنه اضطر لهذا من أجل لقمة العيش؟ وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإننا نقول لصديقك إذا كان المال الذي ستدفعه لهذه المرأة إنما تدفعه في مقابل تقديمك على غيرك من المرشحين لهذا العمل، فلا يجوز لك ولا لها ذلك، بل هو من الرشوة المحرمة التي يتوصل بها إلى الحصول على شيء قد تساوت فيه حقوق الكثيرين، بل قد يتوصل بها إلى أخذ حق الغير إن كان في المتقدمين من هو أولى منك، لكونه أشد حاجة أو أرقى كفاءة.

أما إذا كان ما تدفعه إنما تدفعه لمجرد السماح لك بالمشاركة، فإنه حق لك، والراجح أنك إذا لم تستطع الوصول إليه إلا عن طريق الرشوة، فلا مانع من ذلك والإثم على الآخذ لا على المعطي، وإذا كان ما تقدمه لك المرأة هو مجرد الإسراع في إجراءات المعاملة، فإن لذلك حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون ما قامت به هذه المرأة من تسهيل معاملة صديقك ليس من عملها المنوط بها القيام به في السفارة، فلا حرج عليه في أن يدفع لها مبلغاً مقابل ذلك، ولا حرج عليها في أخذه، لأن ذلك من قبيل الأجرة المباحة.

والحالة الثانية: أن يكون ما قامت به هذه المرأة من تسهيل معاملة صديقك هو من عملها المنوط بها القيام به، وفي هذه الحالة لا يجوز لها أن تأخذ على ذلك مقابلاً، ويعد ذلك من الرشوة المحرمة، والرشوة تعتبر من كبائر الذنوب، قال تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ [المائدة:42]، قال الحسن وسعيد بن جبير: هو الرشوة.

وقال تعالى: وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:188]، وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وفي رواية: ... والرائش. وهو: الساعي بينهما.

أما صديقك، فله أن يدفع مالاً مقابل الحصول على حقه إذا لم يستطع الوصول إلى حقه إلا بذلك، ويكون الإثم على الآخذ دون المعطي، لأن الرشوة هي: ما أعطي لإحقاق باطل أو إبطال حق، أما ما أعطي لإبطال الباطل أو إحقاق الحق فليس برشوة على الدافع، وهو رشوة على الآخذ.

قال الشيخ الخرشي في شرحه لمختصر خليل: وأما دفع المال لإبطال الظلم فهو جائز للدافع حرام على الآخذ. انتهى.

وورد في الأثر أن ابن مسعود رضي الله عنه كان بالحبشة فأخذ فرشى بدينارين، حتى خلي سبيله، وقال: إن الإثم على القابض دون الدافع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني