الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم الاسترسال في الأفكار التي يوسوس بهاالشيطان واجب

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف خلق الله وسيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين, أما أتمنى منك يا شيخ أن يتسع قلبك لما سأرويه وأتمنى أن أجد منك جواباَ شافياَ.
في البداية أقول: أنا طالبة في الجامعة في السنة الثالثة عمري 22 سنة فتاة ملتزمة والحمد لله وكان التزامي منذ أن دخلت الجامعة رغم أنني عشت في بيت متدين منذ الصغر.
فمنذ أن دخلت الجامعة تعرفت على صديقات جيدات ملتزمات والحمد لله منذ ذلك الوقت تقريباَ لم أعد أتساهل في ترك الصلاة بل أحافظ عليها ثم بدأت مع نفسي تدريجياَ حتى التزمت بالسنن الرواتب وصيام التطوع والمحافظة على السنن بشكل عام وعشت منذ ذلك الوقت حياة سعيدة هانئة أشعر بمراقبة الله في أي فعل أو تصرف أتصرفه وأخشى الله قبل أن أخشى أحدا حتى والدي .
لكن يا شيخ منذ ثلاثة أشهر تقريباَ بدأت معي وساوس قدت مضجعي وأرقتني وبدأت تأتي أفكار تتعلق بالعقيدة حتى خفت على نفسي من الإلحاد والعياذ بالله . فمثلاَ من هذه الأسئلة:
من خلقنا ؟ ولماذا خلقنا؟ وكيف خلقنا؟ وهل يوجد إله في هذا الكون؟ ...... وعندما أسمع الأذان أختنق رغم أنني عندماَ أسأل نفسي هذه الأسئلة من قبل كنت أجد لها جواباَ في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ,لا أشك فيها أبدا.. لكن الآن رغم أنني أجيب نفسي بالإجابات نفسها من القرآن والسنة أشعر أني غير مقتنعة. ويشتد علي الصداع وأشعر أن أفكارا تتصارع داخل رأسي ليس لها حد أو نهاية وكنت أشعر بتناقض مع نفسي. فمثلاَ عندما تسيطر علي فكرة هل يوجد خالق؟؟ أعود لنفسي وأقول إذا كنت أن مؤمنة بأن هذه الأفكار هي وساوس شيطانية وأن لا أرى الشيطان فكيف لا أومن بوجود خالق رازق و آياته في الكون كلها . ثم تعود لي الوساوس مرة أخرى حتى أني أشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ضحك عليه بأمر الرسالة.. وأصبحت الصلاة ثقيلة علي ولكن أخاف تركها مخافة الكفر.
وكلما قمت للصلاة يا شيخ أكاد أختنق وعندها تسيطر عليَ فكرة لمن نصلي؟
فعندما أقنع نفسي بأننا نصلي للخالق تسيطر علي فكرة أخرى (إذن خلقتا الله لإذلالنا.........), وأصبحت أقارن الله بالسيد من البشر الطاغي الذي يكون تحت إمرته عدد من الناس المملوكين . والعياذ بالله.....ولكن حاولت أن أسيطر على هذه الوساوس وأن أتجاهلها وعندما استطعت قليلاَ بدأت أشعر بأن جميع أهلي الذين هم معي في البيت مجرد أخيلة لا وجود لهم وتسيطر علي الفكرة التالية وأقول لنفسي مثلاً (توفي أخي منذ زمن ولم يعد له وجود فأهلي ليس لهم وجود ...) هذا الأمر اضطرني إلى الذهاب إلى طبيب نفسي فقال لي الطبيب معك مجرد وسواس قهري .. لأنني بصراحة يا شيخ خفت من انفصام الشخصية وحاولت السيطرة على هذا الأمر واستطعت والحمد لله ولكن انتابني شعور بأن التي في المرآة ليس أنا عندما أنظر إلى المرآة وبدأت أخاف أن أرى نفسي في المرآة وفي هذه الأثناء سمعت آراء كثيرة أناس قالوا لي سحر وناس قالوا لي مس وآخرون قالوا عين عندها استخدمت السدر وشعرت بالتحسن عليه قليلاً ولجأت إلى الرقية الشرعية وبدأت أقرأ على نفسي فبدأ الصداع يهدأ قليلاً ...وينتقل من مكان لآخر فمثلاً كان في البداية في مقدمة رأسي ثم أصبح في منتصف رأسي ثم انتقل إلى أسفل رأسي وبدأت أشعر بتنميل في رأسي ورجلي اليسرى.كانت في البداية فقط أثناء القراءة والآن أصبح هذا التنميل عند المشي أحياناً وأحياناً أخرى لا أشعر بذلك وهذا التنميل يزداد حدةً في الليل عند نومي خاصةً ويمتد هذا التنميل إلى أسفل ظهري والآن يا شيخ لم أعد أشعر بذلك الشعور عند النظر بالمرآة إلا قليلاً لكن الأفكار التي تنتابني . لماذا هكذا خلقنا ؟؟ ومن خلقنا ؟؟ ولماذا هكذا نفكر وكيف ندرك؟؟؟؟............ ومهما حاولت أن أجد الإجابة أشعر بأني غير مقتنعة حتى يا شيخ أصبحت أخاف من الجلوس وحدي في الغرفة حتى لا تنتابني هذه الأفكار لأنني بين الناس أنسى قليلاً وأصبحت أشعر أنني لست من الجنس البشري , إنما أنا قادمة من كوكب آخر لا يعلم عن الأرض والبشر شيئاً
ملاحظة: نسيت أن أخبرك يا شيخ أنه منذ زمن انتابتني هذه الأفكار في بداية المشكلة كأن يراودني الانتحار رغم أنني أعلم أن من ينتحر يخلد في نار جهنم وأشعر يا شيخ أن يداي وقدماي لا أستطيع التحكم بهم أحياناً وربما أريد أن أصرخ أمام الناس لكن أتعوذ بالله من الشيطان فأشعر بارتخاء في جسمي وهذه الأفكار من انتحار وقتل تنتابني كثيراً عند النوم حتى أنني أصبحت أخاف من النوم
وباختصار أشعر أن هناك فكرا وأفكارا تطغي على أفكاري ولا تلغيها وهذا ما يجعلني أشعر بالصراع وأشعر أن كل ما كان يتعلق بالدين قد نسيته أو هي في ثبات..
ملاحظة أخرى: من أجل التنميل في قدمي اليسرى ذهبت إلى طبيب الأعصاب وقال لي أن يدك سليمة ويا شيخ أنا منذ أكثر من سنتين ونصف أعاني من أمراض متنقلة كل مرة في عضو فمثلاً بدأ معي التهاب مجاري بولية ثم اختفى وانتقل المرض إلى القولون ثم إلى معدتي ثم إلى اللٌوز وكل مرة يتفاجأ الطبيب بالأعراض التي أشتكي منها بعد أن يفحصني وفي النهاية أسأل الله العظيم أن يثبتنا على دينه وأن يجعل خاتمتنا على الإيمان ويهدينا طريق الرشاد والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبة وسلم.
المرسل : خلود
سوريا- إدلب - أريحا

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنقول : الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة. هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبره أصحابه عن وسوسة الشيطان لهم. ولفظ الحديث: جاء رجل لرسول الله فقال: يا رسول الله: إني أحدث نفسي لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أتكلم به، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.

فدل الحديث أن ضرر الوسوسة يسير لو لم يسترسل معها الإنسان وقطعها، فخطرات النفس لم ينج منها أحد، كما قال ابن عباس. وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا حتى يقول: من خلق الله؟ فمن وجد ذلك فليستعذ بالله ولينته. وقال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {الأعراف: 200}. وقال سبحانه: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ {المؤمنون: 97-98}. قال بعض السلف لتلميذه: ما ذا تصنع بالشيطان إذا سول لك؟ قال: أجاهده. قال: فإن عاد؟ قال: أجاهده. قال: هذا يطول، أرأيت لو مررت بغنم فنبحك كلبها ومنعك من العبور ما تصنع؟ قال: أكايده وأرده جهدي، قال: هذا يطول عليك، ولكن استغث بصاحب الغنم.

واعلمي أن من أعظم طرق رد الشيطان بعد الاستعانة بالله والاستغاثة به طلب العلم الشرعي الشريف، لا سيما علم العقيدة، قال عبد الله بن وهب: كان أول أمري في العبادة فقطع عليّ الشيطان بذكر عيسى ابن مريم، كيف خلقه الله، قال: فذكرت ذلك للشيخ، فقال لي ابن وهب: اطلب العلم، قال: فطلبته فزال عني.

كما نوصيك بقراءة القرآن بتدبر وتفكر، والمحافظة على الأوراد الثابتة، مع دفع أي خاطرة دون التفكر فيها، مع الاستعاذة وملازمة الدعاء، وشغل النفس بما هو نافع حتى لا يبقى وقت للشيطان، وأكثري من قراءة سورة الفاتحة عدة مرات على كوب ماء واشربيه، كما قال ابن القيم، فإنه نافع مجرب.

وكذلك الإكثار من قراءة سورة الدخان وسورة ق لعدة أيام، ولو قرأتِها على ماء وشربته فخير. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ {يونس: 57}. قال ابن كثير: شفاء لما في الصدور: أي من الشبهة والشكوك، وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس، ويحصل به الهداية والرحمة، والله نسأل أن يمن عليك بالشفاء وأن يثبتك على الحق.

والخلاصة: أن هذه الأفكار والهواجس التي تنتابك وما تتخيلينه من الأمراض كل ذلك من الشيطان وكيده، فيجب عليك الكف عن تلك الأفكار والاسترسال فيها. ولا حرج عليك إذا استمر الأمر أن تعرضي نفسك على الطبيب النفسي أو من عرف بالعلم والصلاح من أهل الرقية الشرعية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني