الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منهج التصوف.. ورجالاته.. وأقسامه

السؤال

عندي بعض الأسئلة تتعلق بالصوفية وابن تيمية وابن القيم
**نجد الإمام ابن تيمية في الفتاوى يمدح أئمة الصوفية الأوائل كالجنيد أبي يزيد البسطامي وأبي سليمان الداراني, وأن علمهم كان مقيدا بالكتاب والسنة, لكن في المقابل نجد في كتب الصوفية التي تعتبر مصادرا للصوفية
نجد أقوالا عن هؤلاء الثلاثة تناقض ادعاءهم السابق نحو:
*الجنيد: أحب للمبتدئ ألا يشغل قلبه بهذه الثلاث وإلا تغير حاله; التكسب وطلب الحديث وأحب للصوفي ألا يقرأ ولا يكتب لأنه أجمع لهمه / / قوت القلوب 3/135
*وقال: لا يبلغ الرجل عندنا مبلغ الرجال حتى يشهد فيه ألف صديق من علماء الرسوم بأنه زنديق لأن أحوالهم وراء النقل والعقل // المناظرة الإلهية ص44
*وجاء في البداية والنهايةج11ص113: رأى بعضهم معه-أي الجنيد- مسبحة فقال له :أنت مع شرفك تتخذ مسبحة؟ فقال طريق وصلت به إلى الله لا أفارقه
*أبو يزيد البسطامي: أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت, يقول أمثالنا: حدثني قلبي عن ربي , وأنتم تقولون حدثني فلان وأين هو؟ قالوا: مات عن فلان, وأين هو؟ قالوا: مات // الفتوحات المكية1/365
*أبو سليمان إذا طلب الرجل الحديث أو سافر في طلب المعاش أو تزوج فقد ركن إلى الدنيا// الفتوحات المكية1/37
الأسئلة: 1هل خفي على ابن تيمية مثل هذه الأقوال؟ وبالتالي يكون تعديله لهم مرفوض؟ وكيف نوفق بين شهادته وتلك الأقوال؟
**يقول البعض: إن ابن تيمية لم يكن يعادي الصوفية على إطلاقه, بل أنكر ما لا يوافق الكتاب والسنة وما لم يكن مأثورا عن الصحابة والتابعين وكان يحاول ابرز الجوهر الأصلي للتصوف كمدرسة تربوية هدفها الأساسي تزكية النفس ويستدلون على ذلك ببعض الأقوال من الفتاوى مثل:
وما وقع في هؤلاء من فساد اللاعتقاد الأعمال أوجب إنكار طوائف لأصل طريقة التصوف بالكلية حتى صار المنحرفون صنفين صنف يقر بحقها وباطلها وصنف ينكر حقها وباطلها كما عليه أهل الكلام والفقه
والصواب إنما هو الإقرار بما فيها وفي غيرها من موافقة الكتاب والسنة والإنكار لما فيها وفي غيرها من مخالفة الكتاب والسنة
سؤال: هل قول أولئك صحيح?
ما هو موقف ابن تيمية من الصوفية؟ كيف نتعامل ونوجه مثل هذه الأقوال عن ابن تيمية؟
**يقول البعض إن المتصوفة ليسوا كلهم ضلال وأن الصوفية ليست كلها شرا بل تنقسم إلى قسمين صوفية سنية مقبولة وصوفية فلسفية مرفوضة هل هذا التقسيم صحيح؟ وإن كان الجواب بالنفي فكيف نرد على القوم؟
**هل صحيح أن ابن القيم كان صوفيا ثم تاب بعد أن تعرف على ابن تيمية؟ وأين ذكر ذلك في كتبه؟
وأخيرا اسمح لي على الإطالة وعذري أن مثل هذه الأقوال والشبه نصطدم مع أصحابها كثيرا وللأسف الشديد هم ذوو انتماءات إلى جماعات إسلامية تزعم أن هدفها هو إعادة الخلافة الإسلامية

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد اتفق متقدمو الصوفية على التعويل التام على الكتاب والسنة واعتبارهما مصدرا التلقي والاستدلال الوحيدين، ويروى عنهم نصوص كثيرة في ذلك، فمن ذلك ما قاله بعض أئمتهم كأبي محمد الجنيد حيث قال : مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة. وقال أيضا : علمنا منوط بالكتاب والسنة، من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به وقال أبو سليمان الداراني : " ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبلها إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة ، وقال إمامهم سهل بن عبدالله التستري : مذهبنا مبني على ثلاثة أصول : الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الأخلاق والأفعال، والأكل من الحلال ، وإخلاص النية في جميع الأعمال

فهذا هو منهج هؤلاء الأكابر من متقدمي الصوفية وهو منهج رصين قائم على الاتباع ونبذ الابتداع، وهو على خلاف منهج كثير من المتأخرين ممن انتسب إليهم ، ومن هنا فقد أثنى شيخ الإسلام ابن تيمية على مشايخ الصوفية المتقدمين من أمثال الجنيد، وأبي سليمان الداراني, لاتباعهما الكتاب والسنة. أما أبو يزيد البسطامي فلا نعلم أن شيخ الإسلام أثنى عليه، والمعروف عن الشيخ هو الاعتذار عن أبي يزيد فيما وقع له من شطحات، قال رحمه الله: وكذلك صار في شيوخ الصوفية من يعرض له من الفناء والسكر ما يضعف معه تمييزه، حتى يقول في تلك الحال من الأقوال ما إذا صحا عرف أنه غالط فيه، كما يحكى نحو ذلك عن مثل أبي يزيد، وأبي الحسن الثوري، وأبي بكر الشبلي، وأمثالهم. بخلاف أبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والفضيل بن عياض؛ بل وبخلاف الجنيد وأمثالهم ممن كانت عقولهم وتمييزهم يصحبهم في أحوالهم فلا يقعون في مثل هذا الفناء والسكر ونحوه.

وأما كتاب قوت القلوب، وكتاب الفتوحات المكية، فليسا من الكتب المعتمدة عند أهل العلم في نقل الأخبار، ولذا فلا يمكن الاعتماد عليهما في الجزم بنسبة الأقوال إلى قائليها، فضلا على أن كتاب الفتوحات المكية محشو بالباطل والأكاذيب .

وما نقل في البداية والنهاية عن الجنيد، فهو منقول بلا سند، وقد سبق أن بينا حكم التسبيح بالمسبحة في عدة فتاوى انظر منها على سبيل المثال الفتوى رقم 7051.

وقد سبق أيضا أن بينا منهج شيخ الإسلام من التصوف في الفتوى رقم 31031.

والتصوف من حيث الأصل ينقسم إلى تصوف فلسفي مذموم، وتصوف سني مقبول مقيد بالكتاب والسنة مقصده الزهـــد في الدنيا، والتفــرغ للعبــادة، ومجاهدة النفس، وحملها على الأخلاق الجميلة، لكن يجب التنبه إلى أن الصوفية المعاصرة تشتمل على كثير من البدع والشركيات، و المذاهب الفلسفية، ولذا فيجب الحذر منها وراجع لمزيد من التفصيل الفتوى رقم 8500.

ولم نقف على ما يدل على أن ابن القيم كان صوفيا ثم تاب على يد شيخ الإسلام، وإنما وقفنا على أنه تاب على يد شيخ الإسلام مما كان قد وقع فيه من أخطاء في مجال الاعتقاد، حيث قال -رحمه الله- في نونيته بعد أن ذكر طائفة من البدع الاعتقادية :

يا قوم والله العظيم نصيحة * من مشفق وأخ لكم معوان

جربت هذا كله ووقعت في * تلك الشباك وكنت ذا طيران

حتى أتاح لي الإله بفضله * من ليس تجزيه يدي ولساني

بفتى أتى من أرض حران فيا * أهلا بمن قد جاء من حران

فالله يجزيه الذي هو أهله * من جنة المأوى مع الرضوان

أخذت يداه يدي وسار فلم يرم * حتى أراني مطلع الإيمان

ورأيت أعلام المدينة حولها * نزل الهدى وعساكر القرآن

ورأيت آثارا عظيما شأنها * محجوبة عن زمرة العميان

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني