الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شبهات حول الاحتفال بالمولد وجوابها

السؤال

أولاً: لاحظت في كثير من فتواكم أنكم لا تعرضون جميع الآراء في المسألة وهذا خطأ والله أعلم... تجيبون على الفتوى من ناحية واحدة ولا تنظرون إلى الرأي الآخر.. لماذا؟ مثال: بالنسبة للمولد النبوي: أنتم تقولون على أنه بدعة.... ولكن البدعة تكون بالعبادة وليست بالعادة وهذه قاعدة شرعية... وأما بالنسبة للذين يرقصون ويحدث عندهم اختلاط أو تبرج وسفور ومهرجانات، هذا حرام 100% لا شك... ولكن إذا الشخص أحضر أو وزع حلوى على أهله فما المشكلة... أيضا هذه الليلة أعظم من ليلة القدر لأن لولاها ما كانت هناك ليلة قدر...... ونقول أيضا إنه إذا الشخص أخذ الأحتفال بالمولد النبوي عبادة فهذا لا يجوز والله أعلم، أما من أخذها عادة يعني الواحد تعود على أنه ليلة المولد يوزع حلوى ما المشكلة فيها، ثم كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، أي أن البدعة تؤدي إلى النار.. فهل الفرح بذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمييز هذا اليوم عن غيره بالفرح لا بالعبادة يؤدي إلى جهنم والعياذ بالله!!! أيضا إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن صوم الإثنين أنه يوم ترفع الأعمال فيه إلى الله وقال يوم ولدت.. فرسول الله صلى الله عليه وسلم عظم شأنه ، أنحن ننزل من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم... و قد قال تعالى: تعزروه وتوقروه... وقال تعالى: ورفعنا لك ذكرك.. فنقوم نحن بتنزيل مكانة رسول الله صلى الله عليهه و سلم! وأيضا إذا الشخص أتاه مولود أي أنجبت زوجته يحضر حلوى بمناسبة الفرح ويطعم الناس فكيف بذكرى ولادة أفضل الخلق سيدهم وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟! وقد أجازها بعض العلماء منهم السيوطي وغيره، فلماذا لم تعرضوا رأي هؤلاء العلماء الأجلاء، ولدي كثير من الأمثلة بارك الله فيكم وأجلكم الله.. الرجاء الرد على سؤالي وعدم الحساسية للمذهب أو الرأي قال تعالى: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ. (القصص:50)، وقال تعالى جل وعلا: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَ لَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ. (المائدة:104}؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمفتي لا يجب عليه أن يذكر جميع الأٌقوال في المسألة التي يسأل عنها، وإنما يجيب سائله بحسب حاله وما ترجح عنده، وعلى هذا عمل السلف من الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب وغيرهم.

ومع ذلك فإن المتتبع لأجوبتنا في مركز الفتوى، يجد أننا نعرض كثيراً لأقوال المخالف إذا قوي الخلاف في المسألة، ثم نتبع ذلك ببيان الراجح من هذه الأقوال بدليله.

والاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد عادة، بل إنه أصبح عبادة عند كثير ممن يفعله، لأن الذين يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم يقصدون بذلك القربة، وإن الله تعالى لا يتقرب إليه إلا بما شرع، وإن التعظيم الحقيقي لرسول الله هو في الوقوف عند ما جاء به وعدم الزيادة عليه أو الاستدراك على شريعته.

وبما أنهم يحتفلون بمولد النبي صلى الله عليه وسلم سنوياً فقد أصبح الاحتفال عندهم عيداً، لأنه يعود ويتكرر كل عام، والأعياد من شعائر الإسلام وهي شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع وعدم الابتداع، وإن اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية وتعظيمه والتوسعة فيه في المأكل والمشرب وإظهار الزينة هو من البدع ومن الإحداث في الدين، وقد نهانا نبينا صلى الله عليه وسلم عن الابتداع والإحداث في الدين أشد النهي، فقال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد. وفي رواية: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. أي مردود على صاحبه وغير مقبول منه.

وإن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ليس من شريعة الإسلام ولم يفعله الصحابة، لا من أهل البيت ولا من غيرهم، مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، ولو كان ذلك خيراً لسبقونا إليه فإنهم كانوا على الخير أحرص، وكانوا أشد محبة وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد كانت للنبي صلى الله عليه وسلم أيام متعددة، كيوم بدر والخندق وفتح مكة ويوم حنين ويوم هجرته ويوم دخوله المدينة ونحو ذلك، ثم لم يتخذ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا من أهل بيته ولا من غيرهم) تلك الأيام أعياداً، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون حوادث نبي الله عيسى مواسم وأعياداً.

كل ما سبق مع اختلاف العلماء في تحديد يوم مولده صلى الله عليه وسلم، وليس هذا محل بسطه، هذا وإن قولك (إن ليلة ميلاد النبي أعظم من ليلة القدر) قول لا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة، ولا نعلم أن أحداً من الأئمة قال به، بل الثابت أن ليلة القدر هي خير ليالي العام لأن العبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر، بل أكثر!!

وأما قوله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم الإثنين: ذلك يوم ولدت فيه. فليس فيه دليل على الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، وذلك لما تقدم، ولأن يوم الاثنين يتكرر أسبوعياً، وإنما يشرع فيه ما ورد به الشرع من صيامه، وذلك اقتداء بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا لمجرد أنه اليوم الذي ولد فيه.

هذا وإن كان السيوطي وغيره من العلماء قد أجازوا الاحتفال بالمولد، فإن غيرهم من العلماء منعوا ذلك، وليس في تجويز السيوطي وغيره حجة، وإنما الحجة في الكتاب والسنة وإجماع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولتعلم أن كمال محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنته ظاهراً وباطناً ونشر ما بعث به، وهذه طريقة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا وإننا نعتب عليك في توجيه آيات نزلت في الكفار والمشركين لإخوانك في مركز الفتوى، فإن هذا لا يليق بمن يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتفي أثره في تعامله مع من يحب ويكره، ولمزيد بيان حول الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 6064، 8762، 3563، 28549، 1888، 17832.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني