الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعاء بالعافية لا يتنافى مع الصبر

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
هل الدعاء بهذه الكيفية جائز: اللهم إن كانت الكحة التي في صدري خيرا لي فأبقها وإن كانت شرا لي فعافني منها، رب إليك التجأت ولا لأحد غيرك وعليك توكلت (وأذكر دعائي)، يارب إني أطرق بابك وأرجو استجابتك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالظاهر أن هذا الدعاء لا مانع منه شرعاً لك، إذ ليس فيه إلا تسليم الأمر لله في اختيار ما فيه الخير للعبد، فقد يكون الخير في الشفاء، وقد يكون في غيره لتكفير الذنوب.

واعلم أن الدعاء بالعافية لا يتنافى مع الصبر، فقد يصبر المرء على القضاء ويدعو الله أن يشفيه ويكشف عنه ما أصابه من الضر فيجمع بين الصبر والدعاء، وقد كان صلى الله عليه وسلم يرشد المرضى للدعاء، فقد قال لعثمان بن أبي العاص لما شكا وجعا يجده في جسده: ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر. رواه مسلم.

وقد ذكر العلماء أن من يستطيع الصبر على بقاء المرض والبلاء محتسباً الأجر عند الله تعالى أن الأفضل له ترك أسباب العلاج، لكن هذا نادر واستدلوا بما في الصحيحين أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله، قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها.

قال ابن حجر: في هذا الحديث أن الصبر على البلاء يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن التزام الشدة، وفيه جواز ترك التداوي وأن علاج الأمراض كلها بالدعاء والالتجاء إلى الله أنفع من العلاج بالعقاقير. انتهى.

وقد روى النسائي عن أبي بكر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سلوا الله العفو والعافية والمعافاة، فإنه ما أوتي عبد بعد يقين خيراً من معافاة. ورواه ابن حبان أيضاً في صحيحه. وروى الترمذي عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله عز وجل، قال: سل الله العافية فمكثت أياماً ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله، فقال لي: يا عباس يا عم رسول الله سل الله العافية في الدنيا والآخرة. وصححه الترمذي والألباني أيضاً، قال في تحفة الأحوذي شرح الترمذي: في أمره صلى الله عليه وسلم للعباس بالدعاء بالعافية بعد تكرير العباس سؤاله بأن يعلمه شيئاً يسأل الله به دليل جلي بأن الدعاء بالعافية لا يساويه شيء من الأدعية ولا يقوم مقامه شيء من الكلام الذي يدعى به ذو الجلال والإكرام. انتهى، وبقية الدعاء من قول السائل رب التجأت إلى آخره صحيح من حيث التركيب والمعنى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني