الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الإكراه المعتبر في جواز النطق بالكفر

السؤال

جزاكم الله خيراً، نحن جماعة نقول إن الإنسان إذا تعرضت أمواله وعرضه للهلاك أنه يجوز له أن ينطق بكلمة الكفر هل هذا كفر أم لا، هل هذا من الإكراه المعتبر شرعا، لأن هناك أقوالا للعلماء كابن حزم في المحلى، والمغني كتاب الطلاق والشاطبي في الموافقات.. ألخ، جزاكم الله خيراً نريد أن نقنع الفريق الآخر؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن مذهب الجمهور عدم اعتبار حفظ المال إكراهاً مبررا للوقوع في الكفر، قال الجصاص عند تفسير الآية الأولى من سورة الممتحنة: وفي هذه الآية دلالة على أن الخوف على المال والولد لا يبيح التقية في إظهار الكفر، وأنه لا يكون بمنزلة الخوف على نفسه لأن الله نهى المؤمنين عن مثل ما فعل حاطب مع خوفه على أهله وماله.. إلى أن قال: ويدل على أن الخوف على المال لا يبيح التقية أن الله فرض الهجرة على المؤمنين ولم يعذرهم في التخلف لأجل أموالهم وأهلهم فقال: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ. وقال: قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا. انتهى.

وقال شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى: تأملت المذهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكرَه عليه، فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد....

وفي بداية المبتدئ وهو من أكبر مراجع الفقه الحنفي: وإن أكره على الكفر بالله تعالى أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيد أو حبس أو ضرب لم يكن ذلك إكراهاً حتى يُكره بأمر يخاف منه على نفسه أو على عضو من أعضائه، وإذا خاف على ذلك ووسعه أن يظهر ما أمروه به ويوري فإن أظهر ذلك وقلبه مطمئن بالإيمان فلا إثم عليه.

وقال خليل بن إسحاق في مختصره في الفقه المالكي: وأما الكفر وسبه عليه السلام وقذف المسلم فإنما يجوز للقتل.

وقال المواق في شرحه ناقلا عن سحنون وغيره: إن أكره على كفر أو شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو قذف مسلم بقطع عضو أو ضرب يخاف منه تلف بعض أعضائه لا تلف نفسه لم يجز له ذلك؛ إنما يسعه ذلك لخوف القتل لا لغيره، وله أن يصبر حتى يقتل وهو أفضل.

وما ذكره المواق وغيره من تفضيل الصبر على القتل والامتناع عن النطق يؤيده ما في قصة خبيب رضي الله عنه أنه صبر على القتل ولم يرضخ لقريش، وما في حديث البخاري عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا، فقال: كان يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه فما يصده ذلك عن دينه. وما يدل له ما في قصة سحرة فرعون أنهم لم يرضخوا للتهديدات التي هددهم بها بعد إسلامهم.

هذا، ويتعين على المضطر دائماً أن يحرص على التورية في النطق بكلمة الكفر، وللمزيد والاطلاع على مسألة تكفير المكره راجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 26496، 24683، 721.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني