الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القرض يؤدى كما استلفه صاحبه إلا إن تعذر فتحتسب القيمة

السؤال

أقرضت شخصاً مبلغاً من المال سنة 1990 ويريد الشخص أداءه الآن سنة 2001. كان المبلغ الذي أقرضته قرابة 150000 دولار والآن هذا المبلغ أصبح 1500 دولار فقطأود أن أخبركم بأني لم أتفق معه على طريقة الدفع عندماً أقرضته، فهل سيدفعه بالدولار أم بالعملة المحلية. علماً أن اسم العملة المحلية آنذاك الجنيه السوداني وأصبح اسمها الآن الدينار.شكراً

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فيبدو من سؤالك أنك أقرضت هذا الشخص مبلغاً من الجنيه السوداني يساوي في ذلك الوقت 150.000 (مائة وخمسين ألف دولار)، وأنه بسبب انخفاض قيمة الجنيه السوداني الآن صار ذلك المبلغ يساوي ألفاً وخمسمائة دولار فقط، وعلى ذلك فهل القضاء يكون بنفس المبلغ الذي أقرضته، بصرف النظر عن قيمة المبلغ في الحالتين؟ أم يكون بمراعاة قيمته؟.
والجواب: أن الفقهاء قرروا أن المدين إنما يلزمه قضاء ماثبت فى ذمته وقت التحمل، بغض النظر عن قيمته وقت الأداء، سواء ارتفعت قيمته بعد وقت التحمل، أو انخفضت .
ولكن إذا انعدم جنس المال الذي كان في الذمة بأن كان فلوساً ـ مثلاً ـ وأبطلها السلطان، أو ثياباً فانقرضت، أو نحو ذلك، فاللازم حينئذ قيمة الدين وقت الانعدام والاستحقاق .
وعلى ذلك فالذي يلزم مدينك هذا هو قيمة ما كنت تطالبه به من الجنيه السوداني، وتعتبر القيمة وقت ما أبطلت الحكومة التعامل بالجنيه واستبدلته بالدينار. وهنالك نقطتان لابد أن يتنبه لهما كل من المتعاملين في باب القرض، ويعملان بمضمونهما على الوجه الأكمل والأحب إلى الله تعالى ابتغاء مرضاته، وتعرضاً لرحمته في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى".
أما النقطة الأولى فهي: أن القرض من أعمال البر التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ويرجى ثوابها عنده مضاعفاً، لما فيه من الإرفاق بالمسلمين ومواساتهم وقضاء حوائجهم وتفريج كروبهم، فالمقرِض المسلم ينظر إلى القرض هذه النظرة، ويقصد منه هذا الهدف، ولا ينظر إليه نظرة مادية، ولا يقصد به هدفاً إنمائيا.
ولذلك عليك ـ أيها المقرض ـ أن تحتسب الأجر عند الله تعالى، ولا تأس على ما نقصت به قيمة المبلغ في الظاهر، رجاء أن يكون مضاعفاً لك عند الله تعالى مدخرا لك عنده ليوم أنت أحوج إليه فيه من الآن.
وأما النقطة الثانية: فإنه يجمل بالمقترِض أن يحسن القضاء، ويكون سمحاً فيه مكافأة منه لجميل صنع المقرِض، وتعرضاً لرحمة الله تعالى في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم، واقتداء به صلى الله عليه وسلم في فعله.
ففي صحيح مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم استسْلف من رجل بَكْراً (بعيراً صغير السن) فجاءته إبل من إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا جملاً خياراً رباعياً، فقال: "أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاءً".
وعلى ذلك فلا بأس أن يراعي مدينك ما حصل من نقص في قيمة المبلغ، ويعطيك ما تيسر له مما تسمح به نفسه، ويتناسب مع ظروفه. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني